شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من تتبع حوالى القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية

          ░4▒ بابُ مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَيِ القَصْعَةَ مَعَ صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنهُ كَرَاهِيَةً.
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبيَّ صلعم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلعم فَرَأَيْتُهُ(1) يتبع الدُّبَاءَ مِنْ حَوَالَيِ القَصْعَةَ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ). [خ¦5379]
          هذا الحديث يفسِّر قولَه صلعم في حديث عُمَر بن أبي سلمة: ((كُلْ مِمَّا يَلِيْكَ)) ويدلُّ على أنَّ المراد بذلك إذا كان يأكل مع غير عيالِه ومَن يتقذَّر جولان يدِه في الطَّعام، فأمَّا إذا أكل مع أهلِه ومَن لا مؤْنة عليه منهم مِن خالص إخوانِه فلا بأس أن تجول يدُه في الطَّعام استدلالًا بهذا الحديث، وإنَّما جالت يدُه صلعم في الطَّعام لأنَّه علم أنَّ أحدًا لا يتكرَّه ذلك ولا يتقزَّزه منه؛ بل كلُّ مؤمن ينبغي له أن يتبرَّك بريقِه صلعم وما مسَّه بيدِه، ألا ترى أنَّهم كانوا يتبادرون إلى نخامتِه فيتدلَّكون بها، فكذلك مَن لم يتقزَّز مؤاكلتَه له(2) أن تجول يدُه في الصَّحْفة، والله أعلم.
          وقول أنس: (فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِِذٍ) فيه الحرص على التَّشبُّه بالصَّالحين والاقتداء بأهل الخير في مطاعمِهم، واقتفاء آثارِهم في جميع أحوالِهم تبرُّكًا بذلك.


[1] قوله: ((فرأيته)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((له)) ليس في (ص).