شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسفرة

          ░8▒ بابُ الخُبْزِ المُرَقَّقِ وَالأَكْلِ عَلَى الخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ.
          فيه: قَتَادَةُ: (كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا أَكَلَ النَّبيُّ صلعم خُبْزًا مُرَقَّقًا وَلَا شَاةً مَسْمُوطَةً حتَّى لَقِيَ اللهَ ╡). [خ¦5385]
          وَقَالَ أَنَس مَرَّةً: (مَا عَلِمْتُ النَّبيَّ صلعم أَكَلَ على سُكْرُجَةٍ قَطُّ، وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ، وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ، قِيلَ لِقَتَادَة: فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: على السُّفَرِ). [خ¦5386]
          وفيه: أَنَسٌ: (قَامَ النَّبيُّ صلعم يَبْنِي بِصَفِيَّةَ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إلى وَلِيمَتِهِ، أَمَرَ بِالأنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأُلْقِي عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ). [خ¦5387]
          وَقَالَ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: (كَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ، إِنَّهمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ؟ إنَّما كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ، فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم بِأَحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ في سُفْرَتِهِ آخَرَ، قَالَ: فَكَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ، / يَقُولُ: إِيْهًا وَالإلَهِ، تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا). [خ¦5388]
          وفيه(1): ابنُ عبَّاسٍ: (أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ خَالَةَ ابْنِ عبَّاس أَهْدَتْ إِلَى النَّبيِّ صلعم سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا النَّبيُّ صلعم بِهِنَّ فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَتَرَكَهُنَّ النَّبي صلعم كَالْمُتَقْذِرِ لَهُنَّ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ على مَائِدَةِ النَّبيِّ صلعم، وَلَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ). [خ¦5389]
          قال المؤلِّف: أكل المرقَّق مباح ولم يجتنب النَّبيُّ صلعم أكلَه إلا زهدًا في الدُّنيا وتركًا للتَّنعم وإيثارًا لما عند الله تعالى كما ترك كثيرًا ممَّا كان مباحًا له، وكذلك الأكل على الخِوان مباح أيضًا، وليس نفي أنس أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يأكل على خِوان ولا أكل شاةً مسموطةً ممَّا(2) يردُّ قول مَن روى عن النَّبيِّ صلعم أنَّه أكل على خِوان، وأنَّه أكل شواء، وإنَّما أخبر كلٌّ بما علم.
          وهذا ابن عبَّاس يقول في الأَضُبِّ أنَّهنَّ أُكِلْنَ على مائدة النَّبيِّ صلعم، فأثبت له مائدة، وقد أنزل الله تعالى على قوم عيسى ابن مريم صلوات الله عليه المائدة حين سألوه إيَّاها، وأكلُ المرقَّق والشَّاة المسموطة داخلٌ في قوله ╡: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف:32]فجميع الطَّيِّبات حلال أكلُها إلَّا أن يتركَها تارك زهدًا وتواضعًا وشحًّا على طيِّباتِه في الآخرة أن ينتقصها في الدُّنيا كما فعل النَّبيُّ صلعم وذلك مباح له.
          وقول ابن الزِّبير: (فَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا) فهو قول أبي ذُؤَيب الهذلي:
وَعَيَّرَهَا الوَاشُونَ أَنِّي أُحِبُّهَا                      وَتِلكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
          وقال ابن قتيبة: لست أدري أخذ ابن الزُّبير هذا مِن أبي ذُؤَيب أو(3) ابتدأه هو، وهي كلمة مقولة.
          و((الشَّكَاةُ)) العيب والذَّم.
          وقولُه: (ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا) أي لا تَعْلَقُ بك ولكنَّه ينبو عنك وهو مِن قولك: ظهر فلان على السَّطح أي: علا عليه، وقال ثعلب: أي لا يلزمك عارُها.


[1] في (ص): ((فيه)).
[2] قوله: ((مما)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((أم)).