شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التسمية على الطعام والأكل باليمين

          ░2▒ بابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ.
          فيه: عُمَرُ بنُ أبي سَلَمَةَ يَقُولُ: (كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ النَّبيِّ صلعم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلعم: يَا غُلامُ، سَمِّ اللهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ، فَمَا زَالَت تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ). [خ¦5376]
          وترجم له: باب الأكل ممَّا يليه قال أنس: قال النَّبيُّ صلعم: (وَلْيَأْكُلِ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيْهِ).
          وقال عُمَر بنُ أَبِي سَلَمَةَ: (كُنْتُ آكُلُ يَوْمًا مَعَ النَّبيِّ صلعم مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ).
          التَّسمية على الطَّعام سنَّة مؤكَّدة لقولِه صلعم: (يَا غُلَامُ، سَمِّ اللهَ) فإن نسي أن يسمِّي الله تعالى في أوَّل طعامِه فليُسمِّ الله في آخرِه أو متى ذكر، وليقل: ((بِسْمِ اللهِ أَوَّلًا وَآخِرًا)) روي ذلك في الحديث.
          وفيه أنَّ الأكل ممَّا يليه مِن أدب الطَّعام إلا أن يكون الطَّعام ألوانًا مختلفة فلا بأس أن يأكل مِن أيِّها شاء؛ لقول النَّبيِّ صلعم لعِكْرَاشٍ لمَّا أتو بطبق مِن تمر أو رطب: ((كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ)) ذكرَه ابن المنذر في كتاب الأطعمة، وذكر(1) التِّرمذي في «مصنَّفه» وقال: لا يعرف لعِكْرَاشٍ عن النَّبيِّ صلعم غير هذا الحديث.
          وفيه أنَّ السنَّة الأكل باليمين، وقد نهى النَّبيُّ(2) صلعم أن يأكل الرَّجل بشمالِه أو يشرب بشمالِه، وقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، رواه مالك وعبيد(3) الله وابن عيينة عن الزُّهري عن سالم عن ابن عمر عن النَّبيِّ صلعم ولم يخرجه البخاري لأنَّه قد رواه مَعْمر وعُقيل عن الزُّهري عن سالم عن ابن عمر ورواية مالك أصحُّ، قاله التِّرمذي.
          وذكره(4) الطَّبري مِن حديث ابن عمر عن أبيه(5) عن النَّبيِّ صلعم، فالله أعلم لِمَ لَمْ يخرجْه البخاري.
          قال الطَّبري: في هذا الحديث لا يجوز الأكل والشُّرب باليد اليسرى إلَّا لمَن كانت بيمين يديه علَّة مانعة مِن استعمالِها، ومثلُه الأخذ والإعطاء بها والرَّفع والوضع والبطش، فإن قال قائل: فإن كان كما ذكرت فما أنت قائل فيما رُوي عن أبي الجَنُوب قال: شهدت عليًّا شووا له كبد أضحية، فأخذ رغيفًا بيده والكبد بالأخرى فأكل؟ قلنا: / هذا غير دافع حقيقة ما قلناه، وذلك أنَّ هذا الخبر إنَّما يدل أنَّه استعمل اليسرى في وقت شُغْل اليمنى بالطَّعام، وإذا كانت كذلك فصاحبُها معذور في إِعْماله الأخرى فيما هو محظور عليه إعمالُها فيه في غير حال العذر كما لو كانت مقطوعة لكان له استعمال اليسرى في مطعمِه ومشربِه، وما كان محظورًا عليه استعمالُها فيه، وبنحو ما قلناه جاء الخبر عن عمر حدَّثنا سَوَّار بن عبد الله أخبرنا يحيى بن سعيد عن عُمارة بن مُطَرِّف حدَّثني يزيد بن أبي مريم عن أبيه قال: رأى عمر رجلًا قد صوَّب يدَه اليسرى ليأكل بها، فقال: لا إلَّا أن تكون يدك معتلَّة، فرأى عمر أنَّ لمَن كانت يده معتلَّة أن يأكل بيسراه مثلما(6) لو كانت يمناه بائنة.
          فإن قيل: فهل رُوي عن أحد مِن السَّلف كراهية الأخذ والإعطاء باليسرى؟ قيل: روى ذلك نافع مولى ابن عمر، وعطاء(7) قالا: لا تأكل بشمالك ولا تَصدَّق بها.
          قال المؤلِّف: روى ابن وهب عن عُمَر بن محمَّد بن زيد قال: كان نافع يزيد فيها: ولا تأخذنَّ بها ولا تعطينَّ، يعني الشِّمال.
          روى ابن وهب عن جرير بن حازم عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم نَهَى أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ شَيْئًا أَوْ يَأْخُذَ شَيْئًا)).


[1] في المطبوع: ((وذكره)).
[2] قوله: ((النَّبي)) ليس في (ص).
[3] في (ز): ((وعبد)) والمثبت من (ص).
[4] في (ز): ((ذكر)) و الصواب المثبت.
[5] قوله: ((ولم يخرجه البخاري لأنه... ابن عمر عن أبيه)) ليس في (ص).
[6] في (ز): ((ما)) والمثبت من (ص).
[7] في (ص): ((وعن عطاء)).