مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}

          ░28▒ بابُ قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران:159]
          وأن المشاورة قبل العزم.. إلى آخره.
          ثم ساق قطعة من قصة الإفك من حديث الزهري وقال أبو أسامة، عن هشام.
          وحديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بقطعة منه أيضاً.
          قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] أي: يتشاورون، واللأمة: الدرع مهموز والميم مخففة، جمعها: لؤم على غير قياس كأنه جمع لؤمة.
          قوله: (وكانت الأئمة بعد رسول الله يستشيرون) يقال: شاورته في الأمر بمعنى.
          قوله: (الأمناء من أهل العلم. فبذلك تواصى العلماء والحكماء) قال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ومن يخشى الله تعالى، فإذا أشار أحد برأيه، سأله: من أين قاله؟ فإن اختلفوا أخذ بأشبههم قولاً بالكتاب والسنة ولا يحكم بشيء حتى يتبين له حجة يجب الحكم بها، ومشاورته ◙ عليًّا وأسامة؛ لقربهما منه وثقته بهما، وليس كل ما أشير به على المستشير يلزمه إذا تبين له الصواب في غيره.
          قوله: (فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة) هي بسكون الشين وفتح الواو، ويقال أيضاً: بضم الشين وسكون الواو وهي الشورى.
          ومعنى قوله: (من بدل دينه فاقتلوه) أي: تمادى عليه، خلافاً لما يحكى عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه يقتل على كل حال ولا تقبل توبته، وسلف رده.
          قوله: (حتى استلبث الوحي) أي: أبطأ، والداجن قال ابن السكيت: شاة داجن إذا ألفت البيوت واستأنست، قال: ومن العرب من يقولها بالهاء، وكذلك غير الشاة، واستشارته ◙ فيمن سب عائشة أراد أن ينتصف له غيره لئلا ينفر قوم، فقال له سعد بن معاذ: إن كان منا قتلناه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فيه بأمرك.. الحديث.
          وإنما كان يشاور في أمر الجهاد فيما ليس فيه حكم بين الناس / ؛ لأنه لا يشاور في شيء إنما يلتمس العلم فيه منه، وقال قوم: له أن يشاور في الأحكام، قال الداودي: وهذه غفلة عظيمة لقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} [النحل:44].
          واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله رسوله أن يشاور فيه أصحابه: فقالت طائفة: في مكائد الحروب، وعند لقاء العدو تطييباً لنفوسهم وتألفاً لهم على دينهم، وأمروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم وإن كان الله تعالى أغناه عن رأيهم بوحيه، روي عن قتادة والربيع وابن إسحاق.
          وقال آخرون: فيما لم يأت فيه وحي؛ ليبين لهم صواب الرأي، روي عن الحسن البصري والضحاك قالا: ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشورة من الفضل.
          وقال الحسن: وما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم، وقال آخرون: إنما أمر بها مع غناه عنهم؛ لتدبيره تعالى له وسياسته إياه ليستن به من بعده ويقتدوا به فيما ينزل بهم من النوازل.
          قال الثوري: وقد سن رسول الله الاستشارة في غير موضع استشار أبا بكر وعمر في أساري بدر، وأصحابه يوم الحديبية.
          وأما قوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [آل عمران:159]، قال قتادة: أمر الله نبيه إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله، قال المهلب: وامتثل هذا رسول الله من أمر ربه تعالى فقال: ((ما ينبغي لنبي لبس لأمته..)) إلى آخره، أي: ليس ينبغي له إذا عزم أن ينصرف؛ لأنه نقض للتوكل الذي شرطه الله مع العزيمة، فلبسه لأمته دال على العزيمة، وفي أخذه ◙ بما يراه الله من الرأي بعد المشورة حجة لمن قال من الفقهاء: أن الأنبياء يجوز لهم الاجتهاد فيما لا وحي عندهم فيه. وقد سلف بيانه.
          وفيه أن للمستشير والحاكم أن يعزم من الحكم على غير من قال به مشاوره إذا كان من أهل الرسوخ في العلم وأن يأخذ بما يراه كما فعل ◙ في مسألة عائشة فإنه شاور عليا وأسامة وقد سلف، فلم يأخذ بقول أحدهما وتركها عند أهلها حتى نزل القرآن فأخذ به، وكذلك فعل الصديق فإنه شاور أصحابه في مقاتلة مانعي الزكاة وأخذ بخلاف ما أشاروا به عليه من الترك لما كان عنده متضحاً من قوله ◙: ((إلا بحقها)) وفهمه هذه العلامة مع ما يعضدها من قوله ◙: ((من بدل دينه فاقتلوه)).
          وقول (خ): فإذا وضح الكتاب والسنة. يعني: إن وجد فيها نص لم يتعدوه، وإلا قال الشافعي: وإنما يؤمر الحاكم بالمشورة؛ لأن المشير ينبهه لما يغفل عنه ويدله من الإخبار على ما يجهله، فأما أن يقلد مشيراً فلم يجعل الله هذا لأحد بعد رسوله.
          قال أبو الحسن القابسي قوله: ((فجلد الرامين لها)) لم يأت فيه بإسناد، وذكره غيره مسنداً. قلت: قد أسلفته مسنداً.
          قوله: (فسمع منهما) يعني: سمع قول علي وأسامة على اختلافهما منه.
          قوله (ولم يلتفت إلى تنازعهم) يعني: عليًّا وأسامة، وأراد تنازعهما، وأظن الألف سقطت من الكتاب.
          قال والدي ⌂:
          (باب قول الله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38]) وفي بعض النسخ: هذا الباب مقدم على باب نهي النبي صلعم.
          قوله: (وإن المشاورة) عطف على قول الله، و(التبين) أي: وضوح المقصود ووجه دلالة الآية أنه أمر أولاً بالمشاورة، ثم رتب التوكل على العزم وعقبه عليه إذ قال: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ} [آل عمران:159].
          قوله: (لبشر) أي: لأحد من الآدميين، و(في المقام) أي: في الإقامة بالمدينة والخروج إلى القتال، و(اللأمة) بتخفيف الميم الدرع.
          قوله: (أقم) أي: اسكن بالمدينة ولا تخرج منها إليهم (فلم يمل) أي: فما مال إلى كلامهم بعد العزم وقال: ليس ينبغي له إذا عزم أن ينصرف منه لأنه نقض للتوكل الذي أمر الله تعالى به عقد العزيمة / ولبس اللأمة دليل العزيمة.
          قوله: (إلى تنازعهم) القياس تنازعهما إلا أن يقال أقل الجمع اثنان أو المراد هما ومن معهما ووافقهما في ذلك وليأخذوا ذلك عند تأدية اجتهادهم إلى الأسهل وعند عدم وضوح الكتاب والسنة فيه، و(بعد) مبني على الضم، و(عمر) فاعله، و(حكم رسول الله صلعم في الفارقين) المبدلين هو القتل لحديث من بدل دينه فاقتلوه ولفظ: (إلا بحقها) أيضاً دليل على جواز القتال إذ هو من حقوق الكلمة كانوا يقولون: الصلاة واجبة والزكاة ليست بواجبة؛ لأن دعاء أبي بكر ليس سكناً لنا، وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة:103].
          قوله: (القراء) كان اصطلاح الصدر الأول أنهم يطلقون القراء على العلماء، و(شبابا) بالموحدتين، في بعضها بالموحدة والنون يعني: كان يعتبر العلم لا السن.
          قوله: (الأويسي) مصغر الأوس بالواو والمهملة عبد العزيز، و(علقمة) بفتح المهملة وسكون اللام وبالقاف ابن وقاص بتشديد القاف وبالمهملة الليثي، و(عبيد الله) مصغراً ابن عبد الله بن عتبة.
          قوله: (ودعا) هو عطف على مقدر أي: قالت عمل رسول الله صلعم كذا ودعا ويسألهما عن المصلحة في القضية، و(أهله) أي: عائشة ♦.
          فإن قلت: لم لم يقل كثيرة أو كثيرات؟ قلت: لأن الفصل يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع.
          و(الجارية) أي: جارية عائشة وهي (بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى، و(يَرِيبك) من رابَ وأَرَاب أي: يوقعك في التهمة ويوهمك، و(الداجن) الشاة التي ألفت البيت ولا يقال: شاة داجنة بل داجن أي: لا عيب فيها إلا نومها عن العجين حتى يتلف، و(يعذرني) أي: من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح أفعاله ولا يلومني وقيل: معناه من ينصرني، و(العذير) الناصر، و(الرجل) هو عبد الله بن سلول.
          قوله: (أبو أسامة) هو حماد الكوفي، و(هشام) هو ابن عروة وهذا تعليق من (خ).
          قوله: (محمد بن حرب) ضد الصلح بياع النَّشَا بالنون والمعجمة، الواسطي مات سنة خمس وخمسين ومائتين، و(يحيى بن أبي زكرياء) مقصوراً وممدوداً الغساني بالمعجمة وشدة المهملة وبالنون الشامي سكن واسطاً، وفي بعضها العُشاني بضم المهملة وتخفيف المعجمة. قال صاحب المطالع: إنه وهم.
          قوله: (أخبرت) بلفظ المجهول، و(بالأمر) أي: بكلام أهل الإفك وشأنهم، و(الرجل الأنصاري) هو أبو أيوب خالد مرت قصة الإفك بطولها مراراً.