مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم

          ░16▒ باب ما ذكر النبي صلعم وحض عليه من اتفاق أهل العلم... إلى آخره
          فيه أحاديث فوق العشرين:
          1- حديث جابر بن عبد الله السلمي: أن أعرابياً بايع النبي صلعم.
          2- حديث ابن عباس: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف... الحديث.
          و(رعاع الناس) غوغاؤهم وسقاطهم وأخلاطهم، الواحد: رعاعة، وسائر الناس همج ورعاع ورد في حديث.
          3- حديث حماد، عن أيوب، عن محمد قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان... الحديث.
          المِشق: بكسر الميم، المغرة وثوب ممشق مصبوغ به.
          4- حديث عبد الرحمن بن عابس قال: سئل ابن عباس: أشهدت العيد.
          5- حديث: ابن عمر أنه ◙ كان يأتي قباء ماشياً وراكباً.
          6- حديث: عائشة قالت: قلت لعبد الله بن الزبير: ادفني.
          7- حديث أنس: أنه ◙ كان يصلي العصر فيأتي العوالي والشمس مرتفعة.
          وفي إسناده أبو بكر بن أبي أويس، واسمه عبد الحميد بن عبد الله الأعشى أخو إسماعيل.
          8- حديث: القاسم بن مالك، عن الجعيد، سمعت السائب بن يزيد... إلى آخره.
          9- حديث أنس: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم)).
          10- حديث ابن عمر: أن اليهود جاءوا إلى رسول الله برجل وامرأة زنيا.
          11- حديث أنس أنه ◙ طلع له أحد فقال: ((هذا جبل يحبنا ونحبه)).
          12- حديث سهل أنه كان بين جدار المسجد مما يلي القبلة.
          13- حديث أبي هريرة: ((ما بين بيتي ومنبري روضة)).
          14- حديث ابن عمر: سابق النبي صلعم بين الخيل.
          15- حديث إسحاق، أنبا عيسى وابن إدريس، وهو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن، أبو محمد الأزدي الكوفي.
          أخرج له (م) أيضاً، وابن [أبي] غنية: وهو يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الكوفي، وأصله من أصبهان تحولوا عنها حين فتحها أبو موسى، أخرج له (م) أيضاً عن أبي حيان، واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي الكوفي، أخرج له (م) أيضاً عن الشعبي وهو أبو عمرو عامر بن شراحيل، عن ابن عمر قال: سمعت عمر على منبر النبي صلعم.
          16- حديث السائب بن يزيد: سمع عثمان بن عفان: خطبنا على منبر رسول الله.
          17- حديث هشام بن حسان بن هشام بن عروة عن أبيه: أن عائشة قالت: قد كان يوضع لي ولرسول الله هذا المركن.
          18- حديث أنس قال: حالف النبي صلعم بين الأنصار وقريش.
          19- حديث بريد عن أبي بردة قال: قدمت المدينة، فلقيني عبد الله بن سلام.
          20- حديث ابن عباس، عن عمر أنه ◙ قال: ((أتاني الليلة آت من ربي)).
          21- حديث ابن عمر: وقت النبي صلعم قرناً لأهل نجد.
          22- حديث ابن عمر أيضاً: عن النبي صلعم أنه أري وهو في معرسه بذي الحليفة.
          ما أجمع عليه أهل الحرمين من الصحابة، ولم يخالف صاحب من غيرهما فهو إجماع، كذا قيده ابن التين، ثم نقل عن سحنون أنه إذا خالف ابن عباس أهل المدينة لم ينعقد / لهم إجماع قال: وإذا أجمع أهل عصر على قول حتى ينقرضوا ولم يتقدم فيه خلاف فهو إجماع.
          قال: واختلف إذا كان من الصحابة اختلاف ثم أجمع من بعدهم على أحد أقوالهم، هل يكون ذلك إجماعاً؟ والصحيح: أنه ليس بإجماع، واختلف في الواحد إذا خالف الجماعة، هل يؤثر في إجماعهم، وكذلك اثنين وثلاثة من العدد الكثير قال: وقيل: أهل المدينة من الصحابة المقيم بها دون الظاعن عنها.
          وهذا بعيد، قد خرج منها وأقام بغيرها حتى توفي علي وعمار والأشعري وأبوه مسعود بن بدر وأنس، وكان أكثر مقام ابن مسعود العراق، وكان بها سعد والمغيرة وخلق من الصحابة أكثر من مائتي رجل، وخرج إلى الشام معاوية، وأبو عبيدة وأبو الدرداء، وحذيفة وكثير من الصحابة، وكان ابن عباس ولاه علي العراق ثم أقام بالطائف ومات بها اقتفى هؤلاء من ذلك، إلا أن أكثر الصحابة كان بالمدينة ألا تسمع إلى قول ابن عوف لعمر: أمهل حتى تأتي المدينة فتخلص بأصحاب رسول الله.
          وقال ابن بطال: اختلف أهل العلم فيما هم فيه أهل المدينة حجة على غيرهم من الأمصار، فكان الأبهري يقول: أهل المدينة حجة على غيرهم من طريق الاستنباط، ثم رجع فقال: قولهم من طريق النقل أولى من طريق غيرهم، وهم وغيرهم سواء في الاجتهاد، وهذا قول الشافعي.
          وذهب أبو بكر ابن الطيب إلى أن قولهم أولى من طريق الاجتهاد والنقل جميعاً، وذهب أصحاب أبي حنيفة إلى أنهم ليسوا حجة على غيرهم لا من طريق النقل ولا من طريق الاجتهاد.
          وغرض (خ) في الباب كما قال المهلب: تفضيل المدينة بما خصها الله به من معالم الدين، وأنها دار الوحي ومهبط الملائكة بالهدى والرحمة، وبقعة شرفها الله تعالى بسكنى رسوله وجعل فيها قبره ومنبره وبينهما روضة من رياض الجنة، وجعلها كالكير تنفي الخبث وتخلص الباقي حتى لا يشوبهم ميل عن الحق.
          ألا ترى قول ابن عوف لعمر: إنها دار الهجرة والسنة، وإن أهلها أصحاب رسول الله الذين خصهم الله بفهم العمل وقوة التمييز والمعرفة بإنزال الأمور منازلها.
          وأما حديث أبي هريرة فإنما ذكر وقوعه بين المنبر وحجرة عائشة اللذين هما من معالم الدين وروضة من رياض الجنة، إعلاماً منه لصبره على الجوع في طلب العلم، ولزوم الشارع حتى حفظ من العلم، ما كان حجة على الآفاق ببركة صبره على المدينة.
          والوعك: الحمى، قاله ابن فارس قال: ويقال مغثه المرض، وفي ((الصحاح)): الوعك مغثه الحمى.
          قوله: (أقلني بيعتي) كأنه كان بويع على الهجرة والإقامة بالمدينة، فخروجه من المدينة شبيه بالارتداد، وكانت الهجرة فرضاً على كل من أسلم إلى أن فتحت مكة، وقيل: كانت على أهل الحاضرة دون البادية، وقيل: كانت واجبة على كل أهل بلد.
          و(الكير) هنا الفرن الذي يحمى ليخرج منه خبث الحديد(1) قاله القزاز. قال: وفيه لغتان: كير وكور، وفي ((الصحاح)): قال أبو عمرو: الكير: كير الحداد، وهو زق أو جلد ذو حافات، وأما المبني من الطين فهو الكور والذي يظهر من الحديث أنه المبني؛ لأنه الذي يخرج الخبث، قال أبو عبد الملك: يعني نار الكير، يريد: الذي يخرج الشرار ويحبس الخيار.
          قال: (وينصع طيبها) يفوح وينتشر، وقال: ويروى ((وينضخ)) بالضاد والخاء المعجمتين أي: يكون طيبها عليها كالخلوق، ومنه قوله تعالى: {نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:96]، أي: تنضخان من الماء، وهو أكثر من النضح، قال: ورواية ثالثة بالحاء المهملة وهو ما زق منه، يقال: نضحت عليه الماء، وقد أتى: ((تنصع)) بمثناة فوق، و((طيبها)) بفتح الطاء والباء، وقال أبو الحسن: ((تنصع)) بالتاء، والذي روي لنا من ((الموطأ)) ((ينصع)) بالياء، و((طيبها)) بضم الياء وكسر الباء، وقد سلف.
          وأما قول ابن عباس: شهدت العيد ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، فمعناه: أن صغير أهل المدينة وكبيرهم ونساءهم وخدمهم ضبطوا العلم والسنن معاينة منهم في مواطن العمل من شارعها المبين عن الله، وليس لغيرهم هذه المنزلة.
          وأما إتيانه ◙ قباء، فمعناه معاينته ماشياً وراكباً في قصد مسجد قباء وهو معلم من معالم الفضل ومشهد / من مشاهده، وليس ذلك بغير المدينة فكان يعم أهل المدينة ومن حولها بالوصول إليهم لينالوا بركته.
          وأما حديث عائشة وأمرها أن تدفن مع صواحبها كراهة أن تزكى بالدفن في بيتها مع رسول الله وصاحبيه؛ لئلا يظن أحد أنها أفضل الصحابة بعد رسول الله وصاحبيه، ألا تسمع قول مالك للرشيد حين سأله عن منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله في حياته، فقال له: منزلتهما منه في حياته؛ كمنزلتهما منه بعد مماته. فزكاهما بالقرب منه في البقعة المباركة والتربة التي خلق الله منها خير البرية وأعاده فيها بعد مماته، فقام لمالك الدليل من دفنهما معه على أنهما أفضل أصحابه؛ لاختصاصهما بذلك.
          واحتج الأبهري على أن المدينة أفضل من مكة بأنه ◙ مخلوق من تربة المدينة وهو أفضل البشر فكانت تربته أفضل الترب(2).
          وفيه: تواضع عائشة أيضاً بأن لا ترى نفسها أهلاً للدفن مع رسول الله، وإيثارها بالمكان عمر لا ينافي هذا، وقد تكون نوت أن تقبر بالمكان الذي قبر به من وراء أبيها ويقرب من رسول الله وبقي مكان آخر، فنظرت في أمرها وقالت: لا أزكي به.
          قولها: (وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله لا أوثرهم بأحد أبداً) أي: لا آثرت أحداً بإقباره معهم، قال ابن التين: كذا وقع وصوابه: لا أوثر أحداً، ولم يظهر لي وجه صوابه.
          و(الرعاع): بفتح الراء وهم الأحداث الطغام قاله الجوهري.
          قوله: (فيطير بها كل مطير) أي: تتأول على خلاف وجهها.
          و(بخ بخ) بإسكان الخاء، فإن وصلت خفضت ونونت، فقلت: بخ بخ. وربما شددت كالاسم، قال الجوهري: وهي كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وقد تكون للمبالغة، عبارة ابن بطال: هي كلمة تقال عند الإعجاب بالتخفيف والتثقيل.
          وقوله في حديث ابن عباس في العيد: (فصلى ثم خطب) هو ما عليه جماعة العلماء أن الخطبة بعدها، واختلف فيمن أحدثها قبل؟ فقيل: مروان، وهو ما سبق.
          وقال مالك في ((مبسوطه)): عثمان، وفعله؛ ليدرك الناس الصلاة، وروي عن يوسف بن عبد الله بن سلام: إن أول من فعله عمر بن الخطاب لما رأى الناس ينقصون إذا صلى بهم فحبسهم للخطبة.
          قوله: (ولم يذكر أذاناً ولا إقامة) وعليه جماعة الفقهاء والصدر الأول، واختلف فيمن أحدث ذلك، فقال أبو قلابة: عبد الله بن الزبير، وقال ابن المسيب: معاوية، وقال ابن حبيب: هشام، وقال القنازعي: زياد، وقال الداودي: مروان.
          قوله: (فأمر بلالاً، فأتاهن) في أكثر الأحاديث أنه ◙ أتاهن ومعه بلال.
          وأما حديث أنس: أنه ◙ كان يصلي العصر فيأتي العوالي والشمس مرتفعة. فمعناه: أن بين العوالي ومسجد المدينة للماشي معلم من معالم ما بين الصلاتين يستغني الماشي فيها يوم الغيم عن معرفة الشمس، وذلك معدوم في سائر الأرض، فإذا كانت مقادير الزمان متعينة بالمدينة لكل باد للعيان ينقله العلماء إلى أهل الإيمان ليمتثلوه في أقاصي البلدان، فكيف يساويهم أهل بلدة غيرها، وكذا دعاؤه لهم بالبركة في مكيالهم خصهم من بركة دعوته ما اضطر أهل الآفاق إلى القصد إلى المدينة في ذلك المعيار المدعو له؛ بالبركة؛ ليمسكوه وجعلوه سنة في معايشهم وما فرض الله عليهم لعيالهم وظهرت البركة لأهل بلد في ذلك المكيال.
          ومعنى: (اللهم بارك لهم في مكيالهم، وصاعهم ومدهم) ما يكال بها وأضمر ذلك لأنه مفهوم الخطاب مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:82] وكان مدهم صغيراً لقلة الطعام عندهم، فدعا لهم ليبارك لهم فيه.
          وبعد العوالي أربعة أميال أو ثلاثة(3)، كما ذكره (خ) عن يونس، ولعل هذا كان في نهار الصيف، وفيه دليل على أبي حنيفة القائل: أن العصر وقته إذا صار ظل كل شيء مثليه لأنه يبعد أن يصلي العصر ثم يمشي أربعة أميال والشمس مرتفعة بعد أن صار ظل كل شيء مثليه بعد ظل الزوال.
          وأما رجمه لليهوديين عند موضع الجنائز فإن الموضع قد صار علماً لإقامة الحدود، وللصلاة على الجنائز خارج المسجد وبه / قال مالك فهما من الحديث.
          قوله: (هذا جبل يحبنا ونحبه) لا يبعد أنه حقيقة كحنين الجذع آية لنبوته، وقيل: مجاز؛ أي: يحبنا أهله مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف 82].
          وأما مقدار ممر الشاة بين الجدار والمنبر فذلك معلم للناس وسنة ممتثلة في موضع المنابر؛ ليدخل إليها من ذلك الموضع فينقضي من القبر وينظف.
          قوله: (روضة من رياض الجنة) يجوز أن تكون حقيقة وأنها تنقل إلى الجنة أو العمل فيها موصل إلى الجنة، واحتج به في ((المعونة)) على تفضيل المدينة؛ لأنه قد علم أنه إنما خص ذلك الموضع منها بفضيلة على نفسها فكان بأن يدل على فضلها على ما سواها أولى، والمراد ببيته القبر كما في الرواية الأخرى أو الحجرة التي يسكنها؛ لأنها قبره.
          وأما ذكر مدى ما بين الحفياء وثنية الوداع فمسافة ذلك سنة ممتثلة ميداناً بخيل الله المضمرة.
          قوله: (ضمرت منها) يقال: ضمر القوم بفتح الميم وبضمها لغة، وأضمرته وضمرته، فيصح أن تقرأ ضمرت بفتح الضاد والميم أو فتحها وضم الميم أو ضم الضاد وتشديد الميم على ما لم يسم فاعله.
          والمركن: بكسر الميم شبه تور من خزف يستعمل للماء قاله ابن بطال، وعبارة الأصمعي فيما حكاه ابن التين أنه الإجانة التي تغسل فيها الثياب.
          قوله: (فيشرع فيها) يقال: شرعت الدواب في الماء؛ أي: دخلت فيه.
          وأما خطبة عمر وعثمان على منبر رسول الله فذلك سنة ممتثلة، وأن الخطبة تكون على المنابر؛ لتوصل الموعظة إلى أسماع الناس إذا أشرف عليهم، وكذلك مركن عائشة الماء الذي كانت تشرع فيه مع رسول الله للغسل، ومقدار ما يكفيهما من الماء سنة، ولا يوجد ذلك المركن إلا بالمدينة، وكذلك موضع محالفته ◙ بين قريش والأنصار معروف يثبت ببقائه جواز المحالفة في الإسلام على أمر الدين والتعاضد فيه على المخالفين، وسلف في كتاب الأدب ما يجوز من الحلف في الإسلام وما لا يجوز في باب: الإخاء والحلف.
          ولذلك مدحه ◙ ومكان صلاته لا يوجد ذلك بغير المدينة وكذلك وادي العقيق المبارك بوحي الله إلى رسوله وأن الله أنزل فيه بركة إحلال الاعتمار في أشهر الحج، وكان محرماً قبل ذلك على الأمم وأمره بالصلاة فيه؛ لبركته وليس ذلك مأموراً به إلا في هذا الوادي الذي يقصده أهل الآفاق للصلاة فيه والتبرك به، وكذلك توقيته المواقيت لأهل الآفاق معالم للحج والعمرة ترفقاً من الله بعباده وتيسيراً عليهم مشقة الإحرام من كل فج عميق، فهذه بركة من الله في الحجاز موقوفة للعباد ليست في غيره من البلاد.
          وفي جعل الله بطحاء العقيق المباركة مهلاً لرسوله ولأهل المدينة وهي آخر جزائر المدينة على رأس عشرة أيام من مكة، وغيرها من المواقيت على رأس ثلاثة أيام من مكة فضل كبير لأهل المدينة بحمله ╡ عليهم من مشقة الإحرام أكثر ما حمل على غيرهم وذلك لعلمه بصبرهم على العبادة واحتسابهم لتحملها، وكذلك صبرهم على لأواء المدينة وشدتها حرصاً على البقاء في منزل الوحي ومنبت الدين؛ ليكون الناس في موازينهم إلى يوم القيامة كما صاروا إلى موازينهم بإدخالهم أولاً في الدين؛ لما وضع فيهم من القوة والشجاعة التي تعاطوا بها مفارقة أهل الدنيا وضمنوا عن أنفسهم نصرة نبي الهدى، فوفى الله بضمانهم ونصرهم على أعدائهم، وتمت كلمة الله ودينه بهم فكانوا أفضل الناس؛ لقربه بهم وعلمه بأحواله وأحكامه وآدابه وسيره.
          ووجب لمن كان على مذاهب أهل المدينة حيث كان من الأرض نصيب وافر من بركة المدينة، واستحقوا أن يكونوا من أهلها؛ لاتباعهم سنن رسوله الثابتة عندهم من علمائها والمتبعين لهم بإحسان، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} الآية [التوبة:100] والمرء مع من أحب، ووجب أن يكون لأهل مكة من ذلك نصيب؛ لأن عندهم معالم فريضة الحج كلها، وقد عاينوا من صلاته وأقواله في المرات التي دخلها ما صاروا به عالمين ولهم من بركة ذلك أوفر نصيب وحظ جزيل.
          و(قرن) بإسكان الراء، وضبطه ابن التين بالفتح، وعن بعضهم إذا أفردت فتحت وإذا أضيفت سكنت / ، قال: وقرن مكان أو جبل كانت فيه وقعة لغطفان على بني عامر، يقال له يوم قرن، ويلملم اسم جبل. وسميت الجحفة من قولهم: أجحفهم الدهر؛ أي: استأصلهم وذلك أن العماليق أخرجوا أخوة عاد من يثرب، فنزلوا مهيعة فجاء سيل فأجحفهم، فسميت الجحفة بذلك.
          قوله: (وذكر العراق. فقال: لم يكن عراق يومئذ) يريد بأنها لم تكن فتحت، وفي حديث جابر: ((ومهل أهل العراق من ذات عرق))، وفي حديث عائشة كذلك.
          قوله: (وهو في معرسه) هو الموضع الذي يعرس فيه، يقال له: معرس ومعرس، والتعريس نزول القوم في السفر في آخر الليل يقفون وقفة الاستراحة ثم يرتحلون وأعرسوا لغة فيه قليلة.
          قال والدي ⌂:
          (باب ما ذكر النبي صلعم).
          قوله: (على اتفاق) في بعضها: ((عليه من اتفاق)) وهو من باب تنازع الفعلين وهما ذكر وحض، و(الإجماع) هو اتفاق جميع أهل الحل والعقد؛ أي: المجتهدين من أمة محمد صلعم على أمر من الأمور الدينية فاتفاق مجتهدي الحرمين دون غيرهم ليس بإجماع عند الجمهور.
          وقال مالك: إجماع أهل المدينة حجة، وعبارة (خ) مشعرة بأن اتفاق أهل الحرمين كليهما إجماع.
          قوله: (بها) أي: بالمدينة لأن ما ذكره في الباب كله فيه متعلق بالمدينة وحدها.
          قوله: (جابر بن عبد الله السلمي) بفتحتين وقيل بكسر اللام، و(الوعك) شدة حرارة الحمى، وامتنع رسول الله صلعم عن فسخ بيعته لأنه يتضمن الارتداد، و(الكير) ما ينفخ فيه الحداد، و(الخبث) بالفتحتين(4) الرديء، و(ينصع) بفتح المهملة الأولى لازم، وفي بعضها: ((تنصع)) من التنصيع؛ أي: التخليص، و(الطيب) بكسر الطاء وخفة التحتانية وبفتحها وبشدها مكسورة مر مراراً.
          قوله: (أقرئ) من الإقراء، ولما كان جوابه محذوف نحو رجع عبد الرحمن من عند عمر ☺، وقد صرح به في كتاب المحاربين في باب الزنا، ولفظ: (بمنى) يحتمل أن يتعلق أيضاً بقوله: (كنت أقرئ).
          و(لو شهدت) إما للتمني وإما أن يكون محذوف الجزاء، و(الذين يريدون أن يغضبوهم) أي: الذين يقصدون أموراً ليس ذلك وظيفتهم ولا لهم مرتبة ذلك، فيرتدون يباشرونها بالظلم والغصب، و(الرعاع) بفتح الراء وتخفيف المهملة الأولى الأحداث وأرذال الناس، و(يغلبون) أي: يكثرون في مجلسك، و(ينزلونها) أي: خطبتك أو وصيتك أو كلماتك، و(المطير) بفاعل الإطارة أي ينقلها عند كل ناقل بالسرعة والانتشار لا بالتأني والضبط، وفي بعضها: (فيطيروا بها) بلفظ مجهول التطيير مفرداً وجمعاً، و(كل مطير) بفتح الميم وكسر الطاء، وفي بعضها: (مطار)، و(آية الرجم) هي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، وهو منسوخ التلاوة مر تمام القصة في كتاب المحاربين.
          قوله: (ممشقان) بالقاف؛ أي: مصبوغان بالمشق وهو الطين الأحمر، و(تمخط) أي: استنثر، و(بخ بخ) بإسكان المعجمتين وبالتنوين مخففتين ومشددتين كلمة تقال عند الرضا والإعجاب.
          و(رأيتني) بضميري المتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب، و(أخرُّ) أي: أسقط، و(مغشياً عليه) أي: مغمى عليه من الجوع.
          قوله: (محمد بن كثير) ضد القليل، و(عبد الرحمن) ابن عابس بالمهملتين وبالموحدة المكسورة، و(لولا منزلتي) أي: لولا أني كنت عزيزاً عنده لما حضرته لأني كنت صغيراً جداً، و(العلم) بالمفتوحتين، و(كثير) بالمثلثة، ابن الصلت بفتح المهملة وسكون اللام وبالفوقانية، مر في كتاب العيد، وغرضه أن صغير المدينة وكبيرها ضبطوا العلم معاينة منهم لشارعه صلعم.
          قوله: (عبيد) مصغر ضد الحر، و(عبد الله بن الزبير) هو ابن أسماء أخت عائشة، و(صواحبي) أي: أمهات المؤمنين يعني في مقبرة البقيع، و(أزكي) بلفظ المجهول؛ أي: كرهت أن يظن أنها أفضل الصحابة بعد النبي وصاحبيه حيث جعلت نفسها ثالثة الضجيعين له صلعم كما قال مالك حين سأله الرشيد عن الشيخين منزلتهما في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته، مر في الجنائز.
          قوله: (صاحبي) بلفظ التثنية، و(لا / أوثرهم) يقال: آثر كذا بكذا؛ أي: أتبعه إياه؛ أي: لا أتبعهم بدفن آخر عندهم. قال صاحب ((المطالع)): هو من باب القلب؛ أي: لا أوثر بهم أحداً، ويحتمل أن يكون لا أثيرهم بأحد؛ أي: لا أنبشهم لدفن أحد، والباء بمعنى اللام.
          قوله: (أبو بكر) عبد الحميد بن أبي أويس مصغر الأوس بالواو والمهملة عبد الله، و(نأتي) بلفظ المتكلم، و(العوالي) جمع: العالية وهي المواضع المرتفعة بين قرى المدينة من جهة نجد وبعدها من المدينة أربعة أميال أو ثلاثة وأبعدها ثمانية.
          قوله: (عمرو بن زرارة) بضم الزاي وخفة الراء الأولى، و(القاسم بن مالك) أبو جعفر المزني الكوفي، و(الجعيد) مصغر الجعد بالجيم والمهملتين ويستعمل مكبراً أيضاً، ابن عبد الرحمن، و(السائب) بالمهملة والهمز بعد الألف، ابن يزيد من الزيادة، وكان الصاع في زمن النبي صلعم أربعة أمداد والمد رطل وثلث عراقي، فزاد عمر بن عبد العزيز في المد بحيث صار الصاع مداً وثلث مد من الأمداد العمرية.
          و(قد زيد فيه) جملة حالية وفي بعضها: ((مد وثلث)) فذلك إما كناية عن اللغة الربعية يكتبون المنصوب بدون الألف، وإما إن في كان ضمير الشأن مر الحديث مع تحقيق المد في كتاب الكفارات.
          قوله: (عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام، والبركة في المكيال مستلزم للبركة في المكيل.
          قوله: (أبو ضمرة) بفتح المعجمة وسكون الميم وبالراء، أنس بن عياض بتخفيف التحتانية وبالمعجمة آخراً، و(موسى بن عقبة) بسكون القاف، و(موضع للجنائز) أي: للصلاة عليها، وفي بعضها: ((موضع الجنائز)).
          و(عمرو) هو مولى المطلب بن عبد الله المخزومي بالزاي، و(يحبنا) أي: يحبنا أهله، ويحتمل أن يكون حقيقة بأن الله تعالى يخلق فيه الحياة والإدراك والمحبة، و(لابتا المدينة) بتخفيف الموحدة حرتاها؛ أي: ما في طرفيها من الحجارة السود ونحوها، و(في أحد) أي: لم يتابعه في التحريم.
          قوله (ابن أبي مريم) سعيد الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة، و(أبو غسان) بفتح المعجمة وشدة المهملة محمد بن مطرف بكسر الراء المشددة، و(أبو حازم) بالمهملة سلمة مر الحديث في الصلاة.
          قوله: (خبيب) مصغر الخب بالمعجمة والموحدة، ابن عبد الرحمن الأنصاري، و(روضة) أي: كروضة أو هو حقيقة وكذا حكم المنبر قالوا: معناه من لزم العبادة فيما بينهما فله روضة منها ومن لزمها عند المنبر يشرب من الحوض مر مباحثه في باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة.
          قوله: (جويرية) مصغر الجارية بالجيم، و(المسابقة بين الخيل) المراهنة في أعدائها (منها) أي: من الخيول، و(الأمد) الغاية، و(الحفياء) بالمهملة وإسكان الفاء وبالتحتانية وبالمد موضع بينه وبين ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، و(الثنية) أضيفت إلى الوداع لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودعون إليها، و(زريق) مصغر الزرق بالزاي والراء.
          الخطابي: تضمير الخيل أن يظاهر عليها بالعلف مدة ثم تغشى بالجلال ولا تعلف إلا قوتا حتى تعرق فيذهب كثرة لحمها وتصلب وزيد في المسافة للخيل المضمرة لقوتها ونقص منها لما لم يضمر لقصورها عن(5) ذوات التضمير ليكون عدلاً بين النوعين، وكله إعداد للقوة في إعزاز كلمة الله تعالى امتثالاً لقوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم} [الأنفال:60] مر الحديث في الصلاة في باب هل يقال مسجد بني فلان.
          قوله: (إسحاق) قال الكلاباذي: هو ابن إبراهيم الحنظلي، و(ابن إدريس) عبد الله، و(ابن أبي غنية) بفتح المعجمة وكسر النون وشدة التحتانية، يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الخزاعي الكوفي وأصله من أصبهان، و(أبو حيان) بالمهملة وتشديد التحتانية وبالنون يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب.
          و(خطيباً) في بعضها: خطبنا بلفظ الماضي أما خطبة عمر فهي التي تقدمت في كتاب الأشربة أنه قام على المنبر فقال: أما بعد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والشعير والحنطة، و(الخمر) ما خامر العقل، وأما خطبة عثمان فقيل كانت في الزكاة حيث قال هذا شهر زكاتكم.
          قوله: (هشام بن حسان) منصرفا وغير منصرف القردوسي بضم القاف والمهملة وسكون الراء بينهما وبإهمال السين، و(المركن) بكسر الميم وكسر(6) الراء الإجانة، و(نشرع) أي: نرد الماء وندخل اليد فيه ونأخذ منه أو نخوض وحاصله / أنا نغتسل من ماء واحد.
          قوله: (عباد بن عباد) بفتح المهملة وشدة الموحدة فيهما وأبو معاوية المهلبي، و(حالف) بالمهملة، و(بني سليم) مصغر السلم ودعا عليهم لأنهم غدروا وقتلوا القراء.
          قوله: (أبو كريب) مصغر الكرب محمد بن العلاء، و(أبو أسامة) حماد، و(بريد وأبو بردة) بضم الموحدة فيهما، و(عبد الله بن سلام) بالتخفيف، و(سقاني) في بعضها: (أسقاني).
          و(سعيد بن الربيع) بفتح الراء، و(يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، و(آت) أي: ملك والظاهر أنه يعني جبريل، و(العقيق) بفتح المهملة وكسر القاف واد بظاهر المدينة ولعل المراد بالصلاة سنة الإحرام وفيه دليل على أنه صلعم كان قارناً، و(هارون بن إسماعيل) الخزاز بالمعجمة وتشديد الزاي الأولى، و(علي) هو ابن المبارك، و(في حجة) إما أن يكون في بمعنى مع وإما أن يراد عمرة مدرجة في حجة يعني القرآن.
          قوله: (وقت) أي: عين للميقات، و(قرن) بسكون الراء.
          وقال الجوهري: هو بفتحها وهو على مرحلتين بمكة وكتبت أي قرن بدون الألف إما باعتبار أنه غير منصرف وإما باعتبار اللغة الربعية.
          و(نجد) هو ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق، و(الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة وبالفاء، و(ذو الحليفة) مصغر الحلفة بالمهملة واللام والفاء، و(يلملم) بفتح التحتانية واللامين وسكون الميم الأولى، و(ذكر) بلفظ المجهول فقال ابن عمر: لم يكن أهل العراق في ذلك الوقت مسلمين حتى يوقت لهم ميقات.
          قوله: (الفضيل) مصغر الفضل بالمعجمة ابن سليمان، و(أري) بلفظ المجهول، و(المعرس) اسم المكان من التعريس وهو المنزل الذي كان في آخر الليل.
          فإن قلت: وبلغني هو رواية عن المجهول؟ قلت: لا قدح بذلك لأنه يروي عن صحابي آخر والصحابة كلهم عدول مر الحديثان في الحج.
          فإن قلت: ليس في الباب ما يدل على إجماع أهل مكة؟ قلت: لعله اكتفى بذكر المهاجرين.
          الزركشي:
          (الحفياء) بحاء مهملة ممدودة وتقصر وبعضهم تقدم الياء على الفاء.
          (بنو زريق) بتقديم الزاي، وقد عمره وحجه جوز فيهما النصب والرفع انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (مدا وثلثا) المد في الأصل ربع الصاع ويروى بفتح الميم وهو الغاية وقد تكرر ذكر المد في الحديث وهو بالضم رطل وثلث بالعراق عند الشافعي وأهل الحجاز ورطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق وقيل إن أصل [المد] مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاماً، والأصح أن رطل بغداد مائه وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم وقيل بلا أسباع وقيل وثلاثون.
          و(المركن) بكسر الميم الإجانة التي تغسل فيها الثياب والميم زائدة.


[1]
[2] في هامش المخطوط: ((أقول هذا يدل على أن تلك البقعة الشريفة المماسة جسده الشريف أفضل بقاع الأرض وهذا لا خلاف فيه، إنما الخلاف في المدينة بأسرها على مكة وغيرها)).
2065 في هامش المخطوط: ((قال ياقوت: بينها وبين المدينة أربعة أميال وقيل ثلاثة وقيل ثمانية، وكذلك قال في المطالع)).
2066 في هامش المخطوط: في (خ): بالمفتوحتين.
[3]
[4]
[5] في المخطوط زيادة: ((شاء)) ولعلها خطأ.
[6] في هامش المخطوط: في (ط): وسكون.