مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول النبي: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء»

          ░25▒ باب قول النبي صلعم: ((لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء))
          وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري.. إلى آخره، وهذا كأنه أخذه (خ) عنه عرضاً ومذاكرة.
          ثم ساق من حديث أبي هريرة: قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية.. إلى آخره.
          وحديث إبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة، ومولده سنة ثمان أو عشر ومائة أنا ابن شهاب.. إلى آخره.
          قوله في كعب: (وإن كنا لنبلوا عليه الكذب) أي: لنختبر ما يحدثنا به، من هذا نحواً من قول ابن عباس، قد نزل من قبله ولم يدر كعب، فوقع في الكذب. ولعل المحدثين كانوا كذلك إلا أن كعباً أشد بصيرة يعرف كثيراً مما يتوقى وإنما قال: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، إذ قد يكون باطلاً فتصدقوا الباطل أو حقًّا فتردوا الحق.
          وقول ابن عباس: ((كيف تسألون أهل الكتاب)) يريد: لإخباره أنهم بدلوا كتابه على أغراضهم، وكذلك كتموا آية الرجم، ولأنه كان في الصحف ولم يكن في صدورهم كالكتاب الذي أنزل على نبينا.
          قوله: (ما رأينا منكم رجلاً..) إلى آخره يريد: لئلا تخبروهم بما أنزل الله فيه من التبديل لكتابهم.
          قال المهلب: قوله: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء) إنما هو في الشرائع لا تسألوهم عن شرعهم مما لا نص فيه من شرعنا؛ لنعمل به؛ لأن شرعنا مكتف بنفسه، وما لا نص عليه عندنا ففي النظر والاستدلال ما يقوم الشرع منه، وإما سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا وما جاء به نبينا من الأخبار عن الأمم السالفة، فلم ينه عنه.
          فإن قلت: فقد أمر الله نبيه بسؤال أهل الكتاب، بقوله: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس:94] قيل: هذا ليس بمفسد لما تقدم من النهي عن سؤالهم؛ لأنه لم يكن شاكًّا ولا مرتاباً، وقال أهل التأويل: الخطاب له والمراد به غيره من الشكاك كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء} [الطلاق:1] وتقديره: إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على نبينا، كقولهم: إن كنت ابني فبرني وهو يعلم أنه ابنه.
          فإن قلت: وإذا كان المراد بالخطاب غيره، فكيف يجوز سؤال الذين يقرءون الكتاب مع جحد أكثرهم للنبوة؟ ففيه جوابان: أحدهما: سل من آمن من أهل الكتاب مع جحدٍ كابن سلام وكعب الأحبار، عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وابن زيد، ثانيهما: سلهم عن صفة النبي المبشر به في كتبهم، ثم انظر ما يوافق تلك الصفة.
          قال والدي ⌂:
          (باب من رأى ترك النكير) أي: الإنكار غرضه أن تقرير الرسول صلعم حجة إذ هو نوع من فعله، ولأنه لو كان منكراً للزمه التغيير وهو من خصائصه.
          قوله: (لا من غير الرسول) لجواز أنه لم يتبين له حينئذ وجه الصواب ولغير ذلك.
          قوله: (حماد بن حميد) بالضم الخراساني، و(عبيد الله بن معاذ) العنبري بالنون الساكنة وبالموحدة المفتوحة، و(ابن صائد) في بعضها ابن الصياد واسمه: صاف.
          فإن قلت: من أين علم عمر حتى جاز له الحلف؟ قلت: جاز الحلف بالظن ولعله سمعه منه صلعم أو فهمه بالعلامات والقرائن.
          قوله: (بالدلائل) أي: بالملازمات الشرعية أو العقلية، قال ابن الحاجب وغيره: الأدلة المتفق عليها خمسة الكتاب والسنة والإجماع / والقياس والاستدلال وذلك كما إذا علم ثبوت الملزوم شرعاً أو عقلاً علم ثبوت لازمه عقلاً أو شرعاً.
          قوله: (الدلالة) بالفتح والكسر وقيل بضمها أيضاً، ومعنى الدلالة هو كإرشاد النبي صلعم أن الخاص وهو الحمير حكمه داخل تحت حكم العام وهو من يعمل مثقال ذرة خيراً يره فإن من ربطها في سبيل الله فهو عامل للخير يرى جزاءه خيراً، ومن ربطها فخراً ورياءً فهو عامل للشر جزاؤه شرًّا، وأما تفسيرها فكتعليم عائشة ♦ للمرأة السائلة التوضي بالفرصة.
          قوله: (استدل ابن عباس) أي: من أكلهم إياه بحضوره ◙ على الإباحة إذ لو كان حراماً لمنعهم عن الأكل.
          قوله: (أبو صالح) ذكوان السمان بياع السمن، و(الوزر) الإثم والثقل، و(المرج) الموضع الذي ترعى فيه الدواب ومفعول أطال محذوف نحو حبله أي: الذي تشد به، و(طيلها) بكسر الطاء وفتح التحتانية هو حبل طويل تشد به الدابة عند الرعي، و(الاستنان) العدو، و(الشرف) بفتحتين الشوط، و(يسقي به) أي: يسقيه والباء زائدة أو بمعنى في وفي بعضها تسقى بلفظ مؤنث المجهول.
          قوله: (في رقابها) فإن قلت: فيه دليل على أن فيها الزكاة؟ قلت: هو محتمل لذلك لكنه ليس نصًّا فيه مع أنه معارض بما تقدم في كتاب الزكاة ليس على المسلم في فرسه صدقة وبلفظ ظهورها.
          قوله: (ستر) لأنه ساتر لفقره ونحوه، و(هذه الآية) بالنصب لا غير، و(الفاذة) بتشديد المعجمة الفردة ومر تحقيق الحديث في كتاب الشرب.
          قوله: (يحيى) أي: ابن جعفر البيكندي بالموحدة والتحتانية والكاف والنون والمهملة قاله الكلاباذي، و(ابن عيينة) سفيان، و(منصور) ابن صفية بنت شيبة الحجبية وهي أمه وأما أبوه فهو عبد الرحمن، و(محمد بن عقبة) بسكون القاف الشيباني، و(الفضيل) مصغر الفضل بالمعجمة ابن سليمان النميري تصغير النمر بالنون.
          و(منصور بن عبد الرحمن ابن شيبة) برفع الابن صفة لمنصور وبكتابة الألف؛ لأن شيبة هو اسم لأبي صفية أمه فهو نسبه إلى أب الأم، وأما عبد الرحمن فهو ابن طلحة الحجبي، و(الفرصة) بفتح الفاء وبإهمال الصاد خرقة أو قطنة تتمسح بها المرأة من الحيض.
          و(مُمسكة) أي: مطيبة بالمسك، قال في ((معالم السنن)): قد تؤول الممسكة على معنى الإمساك دون الطيب يريد بها أنها تمسكها بيدها وتستعملها، و(تتوضئين) أي: تتنظفين وتتطهرين أي: أراد معناه اللغوي واسم المرأة كانت أسماء بنت يزيد من الزيادة ابن السكن بفتح الكاف الأنصارية خطيبة النساء مر في كتاب الحيض بمباحث.
          قوله: (أبو بشر) بكسر الموحدة جعفر، و(أم حفيد) مصغر الحفد، بالمهملتين والفاء اسمها: هزيلة مصغراً بنت الحارث ابن حزن بفتح المهملة وإسكان الزاي وبالنون الهلالية خالة عبد الله بن عباس، و(ضبا) في بعضها: أضبا مر في الهبة.
          قوله: (أحمد بن صالح) المصري، و(عطاء بن أبي رباح) بتخفيف الموحدة، و(خضرات) بضم الخاء وفتح الضاد جمع: الخضرة ويجوز في مثله ضم الضاد وفتحها وسكونها وفي بعضها خضرات بفتح الخاء وكسر الضاد وسمي الطبق بدراً لاستدارته تشبيهاً بالقمر.
          قوله: (قربوها إلى بعض أصحابه) نقل بالمعنى إذ هو صلعم قال: قربوها إلى فلان مثلاً أو تقديره: قربوه مشيراً إلى فلان.
          و(من لا تناجي) أي: الملائكة، وفيه أنهم يتأذون بما يتأذى به بنو آدم وقيل: النهي خاص بمسجده صلعم والجمهور على أنه عام ويلحق به مجامع العبادات كمصلى العيد ويلحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة.
          قوله: (ابن عفير) مصغر العفر بالمهملة والفاء والراء سعيد، و(ابن وهب) عبد الله، و(بقدر) بالقاف، و(أبو صفوان) عبد الله بن سعيد الأموي والظاهر أن لفظ (ولم يذكر) وكذا لفظ (فلا أدري) لأحمد ويحتمل أن يكون لابن وهب أو لابن عفير وللبخاري تعليقاً.
          فإن قلت: ما معنى كونه قول الزهري أو كونه من الحديث؟ قلت: معناه أن الزهري نقله مرسلاً عن رسول الله صلعم ولهذا لم يروه يونس لليث وأبي صفوان أو مسنداً كباقي الحديث ولهذا نقله يونس لابن وهب، مر الحديث في أواخر كتاب الجماعة في باب ما جاء في الثوم.
          قوله: (عبيد الله بن سعد بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، و(أبو سعد) وعمه يعقوب، و(جبير) مصغر ضد الكسر ابن مطعم بفاعل / الإطعام، و(الحميدي) بالضم عبد الله، و(كأنها تعني) أي: بعدم وجدانها له موته صلعم.
          فإن قلت: ما وجه مناسبة هذين الحديثين للترجمة؟ قلت: أما الأول فيستدل منه على أن الملك يتأذى بالرائحة الكريهة وأما الثاني فيستدل به على خلافة أبي بكر ☺.
          قوله: (أهل الكتاب) أي اليهود والنصارى، و(عن شيء) أي: مما يتعلق بالشرائع؛ لأن شرعنا مكتف بنفسه لجواز السؤال عن الأحوال المصدقة لشريعتنا، وعن القصص ونحوها إجماعاً فهو عام مخصوص.
          قوله: (كعب الأحبار) هو كعب بن ماتع بالفوقانية المكسورة وبالمهملة، و(الأحبار) جمع حبر بفتح الحاء وكسرها وهو العالم أي: كعب العلماء، وكان من علماء أهل الكتاب وأسلم في خلافة أبي بكر فصار من فضلاء التابعين.
          قوله: (إن كان) مخففة من الثقيلة وجاز حذف اللام، و(الكتاب) أي: التوراة والإنجيل، و(لنبلو) أي: لنمتحن.
          قوله: (محمد بن بشار) بإعجام الشين، و(عثمان بن عمر) بن فارس البصري، و(يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، و(بالعبرانية) أي: بلغة اليهود والآية هي قوله تعالى: {آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [البقرة:136] مر الحديث في البقرة.
          قوله: (إبراهيم) أي: ابن سعد.
          فإن قلت: كتابنا قديم فما معنى أحدث؟ قلت: معناه أحدث نزولاً مع أن اللفظ حادث، وإنما القديم هو المعنى القائم بذات الله تعالى.
          و(محضاً) أي: صرفاً خالصاً لم يشب أي: لم يخلط لأنه لم يتطرق إليه تحريف ولا تبديل بخلاف التوراة، و(حدثتهم(1)) بلفظ المجهول وفي بعضها بلفظ حدثكم.
          قوله: (ما جاءكم) فاعل ينهاكم والإسناد مجازي، و(العلم) أي: الكتاب والسنة ولا تأكيد للنفي وفي بعضها: ألا بكلمة التنبيه، وغرضه أنهم مع أن كتابهم محرف لا يسألونكم فأنتم بالطريق الأولى أن لا تسألوهم بل [لا] يجوز لكم السؤال عنهم.
          الزركشي:
          (باب من رأى ترك النكير من النبي صلعم حجة، لا من غير الرسول) وذكر فيه عمر، ونازعه الشيخ أبو الفتح القشيري، وقال: عندي أنه لا يدل لأن مأخذ المسألة، أعني: كون التقدير حجة هو عصمته من التقرير على باطل، وذلك متوقف على تحقيق البطلان ولا يكفي فيه عدم تحقيق الصحة.
          (باب الأحكام التي تعرف بالدلائل) أدخل هذه الترجمة في كتاب الاعتصام تحذيراً من الاستبداد بالرأي وتنبيهاً على الرأي المحمود فيها، وهو المستند إلى قول النبي صلعم، وإشارته، أو سكوته، أو فعله، ويندرج في هذا الاستنباط والتعلق بما وراء الظاهر وعدم الجمود عليه.
          (الخيل ثلاثة) سبق في الجهاد وحديث الفرصة سبق في الحيض، و(أتي ببدر) أي: طبق شبيه بالبدر لاستدارته.
          (لنبلوا عليه الكذب) أي: يخبر عليه، يعني: أنه يخطئ فيما يقوله في بعض الأخبار، ولم يرد أنه كان كذاباً، ذكره ابن حبان في كتاب ((الثقات)).
          وقيل: إن الهاء في (عليه) عائدة على الكتاب لا على كعب؛ لأن كتبهم قد غيرت.
          قال القاضي: وعندي أنه يصح عوده على كعب أو على حديثه وإن [لم] يقصد الكذب أو يتعمد كعبٌ، إذ لا يشترط في الكذب عند أهل السنة التعمد؛ بل هو إخباره الشيء على خلاف ما هو عليه، وليس في هذا تجريح لكعب بالكذب.
          وقال أبو الفرج: يعني أن الكذب فيما يخبر به عن أهل الكتاب لا منه، فالأخبار التي يحكيها عن القوم يكون بعضها كذباً؛ فأما كعب الأحبار فهو من خيار الأخيار، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          (باب الأحكام التي تعرف بالدلائل).
          قوله: (منصور بن عبد الرحمن بن شيبة) نسبه إلى جده لأمه صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزيز بن عثمان.
          قوله: (إن امرأة سألت) هي أسماء بنت شكل وقيل: أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء.
          قوله: (خذي فرصة ممسكة) هي قطعة قطن أو خرقة تمسح بها المرأة من الحيض.
          قوله: (قربوها إلى بعض أصحابه) هو أبو أيوب الأنصاري.
          قوله: (أبو صفوان) هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان.
          (باب قول النبي صلعم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء).
          قوله: (وذكر كعب الأحبار) هو كعب بن نافع بن هينوع أدرك زمن النبي صلعم ولم يره وأسلم في خلافة أبي بكر وقيل: في خلافة عمر وصحب عمر وأكثر الرواية عنه وكان يسكن حمص، توفي في خلافة عثمان سنة اثنين وثلاثين متوجهاً إلى العدو ودفن بحمص ويقال له كعب الخَِير(2) قال النووي: اتفقوا / على توثيقه وعلمه.
          قوله: (لنبلوا عليه الكذب) يعني يخطئ فيما يقول في بعض الأحيان ولم يرد أنه كان كذاباً قاله أبو ذر.


[1] في هامش المخطوط: في (ط): حدثتم.
[2] فوقها في المخطوط: ((معا)).