مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا}

          ░19▒ باب قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143]
          فيه حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلعم: ((يجاء بنوح يوم القيامة..)) الحديث.
          وعن جعفر بن عون.. إلى آخره، معنى هذا الباب الاعتصام بالجماعة، ألا ترى قوله تعالى: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، ولا يجوز أن يكون شهيداً غير مقبول، ولما كان الشارع واجباً اتباعه وجب اتباع قولهم؛ لأن الله تعالى جمع بينه وبينهم في قبول قولهم وزكاهم، وأحسن الثناء عليهم بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} يعني: [عدلا].
          والاعتصام بالجماعة كالاعتصام بالكتاب والسنة؛ لقيام الدليل على توثيق الله ورسوله صحة الإجماع وتحذيرهما من مفارقته بقوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} الآية [النساء:115]، وقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] وهاتان الآيتان قاطعتان على أن الأمة لا تجتمع على ضلال، وقد أخبر ◙ بذلك فهماً له من كتاب ربه تعالى فقال: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) ولا يجوز أن يكون أراد جميعها من عصره إلى قيام الساعة؛ لأن ذلك لا يفيد شيئاً؛ لأن الحكم لا يعرف إلا بعد انقراض جميعها، فعلم أنه أراد أهل الحل والعقد من كل عصر.
          وما فسر به الوسط بالعدل، روي مرفوعاً كما أفاده ابن التين، وأصله أن أحمد الأشياء أوساطها.
          وفي بقية حديث نوح في غير هذا الموضع، فيقول قوم نوح: كيف يشهدون علينا، ونحن أول الأمم وهم(1) آخر الأمم، فتقولون: نشهد أن الله تعالى بعث إلينا رسولاً، وأنزل إلينا كتاباً، فكان فيما أنزل إلينا خبركم.
          وعبارة الداودي: ((يقال لهم تشهدون ولم تحضروا؟ فتقولون: أنا نبئنا)) وهو قوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].


[1] في هامش المخطوط: في (ظ): أنتم.