مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما جاء في اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى

          ░13▒ باب ما جاء في الاجتهاد بما أنزل الله تعالى لقوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]
          ومدح النبي صلعم صاحب الحكمة.. إلى آخره.
          فيه حديث قيس، عن عبد الله قال: قال رسول الله: ((لا حسد إلا في اثنتين..)) الحديث.
          وحديث هشام، عن أبيه، عن المغيرة في إملاص المرأة. تابعه ابن أبي الزناد.
          الاجتهاد فرض واجب على العلماء عند نزول الحادثة، والواجب على الحاكم أو العالم إذا كان من أهل الاجتهاد أن يلتمس حكم الحادثة في الكتاب والسنة، ألا ترى أن عمر لما احتاج أن يقضي في الإملاص سأل الصحابة من عنده علم من رسول الله في ذلك؟ فأخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة بحكمه في ذلك، فحكم به ولم يشغله الحكم في ذلك باجتهاده إلا بعد طلب النصوص من السنة، فإذا عدم السنة رجع إلى الإجماع، فإن لم يجده نظر هل يصح حمل حكم الحادثة على بعض الأحكام المتقدمة لعله يجمع بينهما، فإن وجد ذلك لزمه القياس عليها إذا لم تعارضها علة أخرى.
          ولا فرق بين أن يجد العلة مما هو من باب الحادثة أو غيرها؛ لأن الأصول كلها يجب القياس عليها إذا صحت العلة، فإن لم يجد العلة استدل بشواهد الأصول وعلة الأشباه إذا كان ممن يرى ذلك، فإن لم يتوجه له وجه من بعض هذه الطرق وجب أن يقر الأمر في النازلة على حكم العقل، ويعلم أنه لا حكم لله فيها شرعيًّا زائداً على العقل. هذا قول ابن الطيب.
          قال غيره: وهذا هو الاستنباط الذي أمر الله عباده بالرجوع إلى العلماء فيه بقوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ} الآية [النساء:83]، والاستنباط هو الاستخراج، ولا يكون إلا في القياس؛ لأن النص ظاهر جلي، وليس يجوز أن يقال: إن عدم النص على الحادثة في كتاب الله أو سنة رسوله يوجب أن لا حكم لله تعالى فيها؛ لقوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام:38] إذ لو خلا بعض الحوادث أن يكون لا حكم لله فيها لبطل إخباره إيانا بقوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام:38].
          وفي علمنا أن النصوص لم تحط بجميع الحوادث دلالة على أن الله تعالى قد أبان لنا حكمها بغير جهة النص، وهو القياس على علة النص، ولو لم يتعبدنا الله بما نص عليه فقط لمنع عباده الاستنباط الذي أباحه لهم، والاعتبار في كتابه الذي دعاهم إليه، ولو نص على كل ما يحدث إلى قيام الساعة؛ لطال الخطاب وبعُد إدراك فهمه عن المكلفين، بل كانت بنية الخلق فعجز عن حفظه.
          فالحكمة فيما فعل تعالى من وجوب الاجتهاد والاستنباط والحكم للأشياء بأشباهها ونظائرها في المعنى، وهذا هو القياس الذي نفاه أهل الجهالة القائلون بالظاهر المنكرون للمعاني والعلل، ويلزمهم التناقض في نفيهم القياس؛ لأن أصلهم الذي بنوا عليه مذهبهم أنه لا يجوز إثبات فرض في دين الله إلا بإجماع من الأمة على إنكار القياس، وحينئذ يصح قولهم، ولا سبيل لهم إلى ذلك.
          سلف الكلام على الإملاص، واحتج به الأبهري على أن المرأة تعامل الرجل إلى ثلث ديتها قال: لأنه ◙ ساوى في دية الجنين، بين الذكر والأنثى في الغرة ولم يفرق بينهما، وهذا مذهب مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: هي في ديتها على النصف في القليل والكثير، وقيل: تقابل إلى نصف الدية، وقيل: إلى الموضحة، وقيل: إلى عشر الدية، ونصف عشرها، وهي دية المنقلة. فهذه خمسة أقوال.