مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا}

          ░18▒ باب قول الله تعالى: {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54]
          فيه حديث موسى بن سلام بالتخفيف أنبا عتاب بن بشير، وهو: أبو الحسن الحراني، مولى بني أمية عن إسحاق، وهو ابن راشد أخو النعمان بن راشد الجزري الحراني، مولى بني أمية، انفرد به وبالذي قبله عن الزهري أخبرني علي بن حسين، عن حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره أن رسول الله طرقه وفاطمة.
          وحديث أبي هريرة: بينا نحن في المسجد خرج النبي صلعم فقال: ((انطلقوا إلى يهود)) الحديث.
          معنى طرقه: جاءه ليلاً، قال ابن فارس: وحكى بعضهم أن ذلك قد يقال في النهار أيضاً.
          قوله: (ولم يرجع إليه شيئاً) هو بفتح الياء؛ لأنه ثلاثي في المشتهر من اللغات. وقراءته ◙: ((وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)) إنما كره من احتجاجه؛ لأن المسلم ينبغي له أن يعترف بالتقصير؛ لأن له في فعله اكتساباً عليه يجزى.
          قوله: (فقال ◙ لليهود: ذلك أريد أسلموا تسلموا) كذا في الأصول.
          (أريد) بالراء، ووقع في كتاب أبي الحسن بالزاي والذي أعرفه بالراء.
          ومعنى: (أسلموا تسلموا) أي: في الدنيا من السيف وفي الآخرة من عذاب الله.
          قوله: (أريد أن أجليكم) أي: أطردكم من تلك الأرض وكان خروجهم إلى الشام.
          قال الجوهري: جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا يتعدى ولا يتعدى، وأجلوا عن البلد وأجليتهم أنا كلاهما بالألف، وأجلوا عن القتيل لا غير؛ أي: انفرجوا، زاد في ((الغريبين)): وجلا بالتشديد عن وطنه.
          والجدال لغة: المدافعة، فمنه مكروه ومنه حسن، فما كان منه تثبيتاً للحقائق وتبييناً للسنن والفرائض فهو الحسن، وما كان منه على معنى الاعتذار والمدافعات للحقائق فهو المذموم.
          وأما قول علي فهو من باب المدافعة. واحتج الشارع عليه بالآية.
          ووجه هذه الآية في الاعتصام أنه ◙ / عرض على علي وفاطمة الصلاة فاحتج عليه علي بقوله: إنما أنفسنا بيد الله. فلم يكن له أن يدفع ما ادعاه الشارع إليه، بقوله: هذا بل كان الواجب عليه قبول ما دعاه إليه وهذا هو نفس الاعتصام بسنته ◙؛ فلأجل تركه الاعتصام بقبول ما دعاه إليه من الصلاة قال ◙: ((وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)) ولا حجة لأحد في ترك أمر الله وأمر رسوله بمثل ما احتج به علي.
          وموضع الترجمة من حديث أبي هريرة أن اليهود لما بلغهم النبي صلعم ما لزمهم العمل به والإيمان بموجبه قالوا له: قد بلغت يا أبا القاسم. رادين لأمره في عرضه عليهم الإيمان، فبالغ في تبليغهم، وقال ذلك أريد ومن روى: (ذلك أريد) بمعنى: أريد بذلك بياناً بتكرير التبليغ، وهذه مجادلة من رسول الله لأهل الكتاب بالتي هي أحسن.
          وقد اختلف في تأويل هذه الآية، فقالت طائفة: هي مجملة ويجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان. وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:46] معناه: إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب، فجادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية. هذا قول مجاهد وسعيد بن جبير.
          وقال ابن زيد: معناه: ولا تجادلوا أهل الكتاب يعني: إذا أسلموا وأخبروكم بما في كتبهم إلا بالتي هي أحسن في المخاطبة، إلا الذين ظلموا بإقامتهم على الكفر، فخاطبوهم بالسيف. وقالوا: هي محكمة. وقال قتادة: هي منسوخة بآية القتال.