مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب مَن شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين قد بين الله حكمهما

          ░12▒ باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين
          أسلفناه بحديثه، وأسلفنا أن هذا هو القياس بعينه، والقياس في لغة العرب: التشبيه والتمثيل، قال أبو تمام المالكي: أجمعت الصحابة على القياس فمن ذلك أنهم أجمعوا على قياس الذهب على الورق في الزكاة.
          قلت: قد ثبت النص فيه.
          وقال الصديق: أقيلوني بيعتي. قالوا: لا والله لا نقيلك رضيك رسول الله لديننا، فلا نرضاك لدنيانا؟ فقاس الإمامة على الصلاة، وقاس الصديق الزكاة على الصلاة، وقال: والله لا أفرق بين ما جمع الله.
          وصرح علي بالقياس بمحضر من الصحابة، وقال: إنه إذا سكر هذي وإذا هذي افترى، فحده حد القاذف. وكذلك لما قال له الخوارج: لم حكمت؟ قال: الله أمر بالحكمين في الشقاق الواقع بين الزوجين فما بين المسلمين أعظم.
          وهذا ابن عباس يقول: ألا اعتبروا، الأصابع بالأسنان اختلفت منافعها واستوت رؤسها.
          ولو ذكرنا كل ما قاسه الصحابة لكثر به الكتاب غير أنه موجود في الكتب لمن ألهمه الله رشده، وقد قيل للنخعي: هذا الذي تفتي به أشيئًا سمعته؟ قال: سمعت بعضه وقست ما لم أسمع على ما سمعت. وربما قال: إني لأعرف بالشيء الواحد مائة شيء.
          قال المزني: فوجدنا بعد رسول الله أئمة الدين فهموا عن الله تعالى ما أنزل إليهم وعن الرسول ما أوجب عليهم، ثم الفقهاء إلى اليوم هلم جرًّا، استعملوا المقايس والنظائر في أمر دينهم، فإذا ورد عليهم ما لم ينص عليه نظروا، فإن وجدوه مشبهاً لما سبق الحكم فيه من الشارع أجروا حكمه عليه، وإن كان مخالفاً له فرقوا بينه وبينه، فكيف يجوز لأحد إنكار القياس؟! ولا ينكر ذلك إلا من أعمى الله قلبه وحبب إليه مخالفة الجماعة.
          وحديث ابن عباس فيه النيابة في الحج، وقال به مالك مرة اتباعاً للحديث، ومنعه أخرى كأنه رآه من عمل الأبدان، وقال أخرى: إن أوصى حج عنه، وقال مرة: لا يحج عنه وإن أوصى، وقال ابن وهب وأبو مصعب: لا يحج إلا الولد عن أبيه.
          قال والدي ⌂:
          (باب إثم من آوى محدثا) أو مبتدعا أو ظالما لما رواه علي ☺ في باب الجزية.
          قوله: (عاصم) أي الأحول، و(حدثا) أي بدعة أو ظلم ونحوهما، و(آوى) بالمد قال الدارقطني في كتاب العلل: موسى بن أنس وهم من (خ) أو من موسى شيخه والصواب النضر بسكون المعجمة ابن أنس كما رواه (م) في صحيحه.
          قوله (يكره) في بعضها يذكر، و(سعيد) ابن عيسى بن تليد بفتح الفوقانية وكسر اللام وبالمهملة المصري، و(ابن وهب) عبد الله، و(عبد الرحمن بن شريح) مصغر الشرح بالمعجمة والراء والمهملة الإسكندراني مات سنة سبع وستين ومائة، و(أبو الأسود) ضد الأبيض محمد بن عبد الرحمن، و(حج علينا) أي مارا علينا، و(عبد الله) هو ابن عمرو بن العاص.
          و(إن أعطاكموه) في بعضها إذا أعطاكموه، و(مع قبض العلماء بعلمهم) أي تقبض العلماء مع علمهم، ففيه نوع قلب في الحرفين أو يراد من لفظ بعلمهم بكتبهم بأن يمحى العلم من الدفاتر وتبقى مع على المصاحبة أو مع بمعنى عند مر الحديث في كتاب العلم، و(بعد) أي بعد تلك السنة أو الحجة، و(ابن أختي) هو عروة بن أسماء أخت عائشة.
          و(عجبت) أي من جهة أنه ما غير حرفا منه، وروي أنها قالت له: ألقه ففاتحه حتى نسأله عن الحديث الذي ذكره لك قال فلقيته فسألته فذكره لي نحو المرة الأولى فلما أخبرتها قالت ما أحسبه إلا قد صدق لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص منه.
          قوله: (أبو حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون، و(أبو وائل) بالهمز بعد الألف شقيق، و(صفين) بكسر / المهملة وشدة الفاء المكسورة وسكون التحتانية وبالنون، موضع بين الشام والعراق بشاطئ الفرات فيه وقعت المقاتلة بين علي ومعاوية وهو غير منصرف، و(سهل بن حنيف) بالمهملة والنون.
          قوله: (اتهموا) وذلك أن سهلا كان يتهم بالتقصير في القتال فيها فقال اتهموا رأيكم فإني لا أقصر وما كنت مقصرا وقت الحاجة كما في يوم الحديبية، فإني رأيت نفسي يومئذ لو قدرت على مخالفة حكم رسول الله صلعم لقاتلت قتالاً لا مزيد عليه لكن أتوقف اليوم لمصالح المسلمين.
          فإن قلت: لم نسب اليوم إلى أبي جندل لا إلى الحديبية؟ قلت: لأن رده إلى المشركين كان شاقا على المسلمين وكان ذلك أعظم ما جرى عليهم من سائر الأمور وأرادوا القتال بسببه وأن لا يردوا أبا جندل ولا يرضون بالصلح.
          قوله: (يفظعنا) بإعجام الظاء المكسورة أي يخوفنا ويهولنا، و(أسهلن) أي السيوف أي أفضين بنا إلى أمر سهل نعرفه خيراً غير هذا الأمر أي: الذي نحن فيه من هذه المقاتلة في صفين فإنه لا تسهل بنا مر بلطائف في آخر كتاب الجهاد.
          قوله: (بئست صفون) أي بئست المقاتلة التي وقعت فيها وأعرب هذا اللفظ كإعراب الجمع كقوله تعالى: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين:18-19] والمشهور أن يعرب بالنون ويكون بالياء في الأحوال الثلاث.
          قوله: (برأي ولا بقياس) فإن قلت: ما الفرق بينهما؟ قيل: هما مترادفان وقيل الرأي هو التفكر أي لم يقل بمقتضى العقل ولا بالقياس وقيل الرأي أعم لتناوله مثل الاستحسان، و(بما أراك) أي في قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ} [النساء:105] ولقائل أن يقول إذا حكم بين الناس بالقياس فقد حكم أيضاً بما أراه الله تعالى.
          و(ابن المنكدر) بالنون محمد، و(أغمي) بمجهول ماضي الإغماء، و(أي رسول الله) هو أيضاً نداء والفرق أن أي لنداء القريب ويا أعم، و(آية الميراث) هي {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} [النساء:11] مر الحديث في سورة النساء وفي قول (خ) في الترجمة جوازه حيث قال: لا أدري إذ ليس في الحديث ما يدل عليه ولم يثبت عنه صلعم ذلك.
          وأما الاجتهاد له صلعم فقال المجوزون: كان التوقف فيما لم يجد أصلاً يقيس عليه لأنه مأمور به بعموم قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2] وهو ◙ أفضل أولي الأبصار ووقع منه كما يدل عليه باب من شبه أصلاً معلوما.
          قوله: (تمثيل) أي قياس وهو إثبات مثل حكم المعلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم، و(عبد الرحمن) بن عبد الله الأصبهاني بفتح الهمزة وكسرها وبالفاء وبالموحدة ففيه أربع لغات، و(ذكوان) بفتح المعجمة وإسكان الكاف وبالواو وبالنون، و(من نفسك) أي من أوقات نفسك، و(اجتمعن) أولا بلفظ الأمر وثانيا بالماضي، و(تقدم) أي إلى القيامة مر في كتاب العلم.
          فإن قلت: أين الترجمة؟ قلت: القول بأن لهما حجاباً من النار إنما هو أمر توقيفي تعليم من الله تعالى ليس قولاً برأي ولا تمثيل لا دخل لهما فيه.
          قوله (وهم أهل العلم) هذا كلام (خ)، و(عبيد الله) مصغرا، و(قيس) هو ابن أبي حازم بالمهملة والزاي، و(ظاهرين على الحق معاونين) أي: عائنين له ويحتمل أن يكون على الحق خبراً ثانيا لقوله لا يزال وقيل غالبين أو عالين، و(أمر الله) أي القيامة مر قبيل كتاب فضائل الصحابة قيل فيه حجية الإجماع وامتناع خلو العصر عن المجتهد.
          قوله: (حميد) بالضم ابن عبد الرحمن بن عوف، و(أبو سفيان) اسمه صخر بفتح المهملة وسكون المعجمة، و(خيرا) عام لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم أي: جميع الخيرات ويحتمل أن يكون التنوين للتعظيم، و(أنا قاسم) أي أقسم بينكم فألقي إلى كل واحد ما يليق به من أحكام الدين والله يوفق من يشاء منهم لفقهه والتفهم منه والتفكر في معانيه، و(أو حتى يأتي) شك من الراوي وفيه أن أمته آخر الأمم.
          فإن قلت: يعارضه ما قال صلعم لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس؟ قلت: يعني الشرار هم الأغلب.
          فإن قلت: ليس في الباب ما يدل على أنهم أهل العلم على ما ترجم عليه؟ قلت: نعم فيه إذ من جملة الاستقامة أن يكون فيهم الفقيه والمتفقه ولا بد منه لترتبط الأخبار المذكورة بعضها بالبعض وتحصل جهة جامعة بينهما معنى مر / بلطائف في كتاب العلم.
          قوله: (من فوقكم) كإمطار الحجارة عليهم كما كان على قوم لوط (أو من تحت أرجلكم) كالخسف كما فعل بقارون، و(أو يلبسكم شيعاً) أي: يخلطكم فرقاً أصحاب أهواء مختلفة، و(يذيق بعضكم) أي: يقتل بعضكم بعضاً ولفظ (بوجهك) من المتشابهات، و(هاتان) أي: المحنتان أو البليتان أو الخصلتان وهو اللبس والإذاقة ومر في سورة الأنعام بلفظ، و(هذا) أي: الأخير من أقسام الترديد وهو الجمع بينهما.
          قوله: (أصلا) لو قال أمراً معلوماً لوافق اصطلاح أهل القياس، و(أصبغ) بفتح الهمزة والموحدة وسكون المهملة بينهما (ابن الفرج) بفتح الراء والجيم، و(أنكرته) لأني أبيض وهو أسود، و(الورق) بضم الواو جمع والأورق ما في لونه بياض إلى سواد قال فمن أين تظن أن ذلك البياض جاء إلى إبلك الحمر، و(العرق) الأصل، و(نزعها) أي: اجتذبه إليه حتى ظهر لونه عليه، و(الانتفاء) أي: اللعان ونفي الولد من نفسه في اللعان.
          و(أبو بشر) بالموحدة المكسورة واسمه: جعفر، و(قاضيته) في بعضها: قاضية بغير الضمير، و(اقضي) في أكثر النسخ: اقضوا أي: اقضوا أيها المسلمون الحق الذي لله ودخلت المرأة في هذا الخطاب دخولا بالقصد الأول وفي الكتب الأصولية ذكروا أن النساء داخلات في خطاب الرجال لا سيما عند القرينة المدخلة فيه.
          فإن قلت: قال الفقهاء حق الآدمي مقدم على حق الله تعالى؟ قلت: التقديم بسبب احتياجه لا ينافي الأحقية بالوفاء واللزوم.
          فإن قلت: هذا الباب وما فيه يدل على صحة القياس وأنه ليس مذموماً والباب المتقدم مشعر بالذم والكراهة؟ قلت: القياس على نوعين صحيح مشتمل على جميع شرائطه المذكورة في فن الأصول وفاسد بخلاف ذلك فالمذموم هو الفاسد، وأما الصحيح فلا مذمة فيه بل هو مأمور به، وفي الباب دليل على وقوع القياس منه صلعم.
          الزركشي:
          حديث عمر وحاجبه يرفأ سبق في الجهاد.
          (أو آوى محدثا) بفتح الدال وكسرها.
          (إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه) أي: أفضين بنا إلى أمر سهل.
          (شهدت صفين وبئست صفون) سمى المكان بالجمع السالم كما سمي الرجل بزيدين وعمرين، فتجريه في حال التسمية مجراه في حال الجمع، وما كان من الواحد على بناء الجمع فإعرابه إعراب الجمع كقولك: دخلت فلسطين، وهذه فلسطون، وأتيت قنسرين، وهذه قنسرون، وأنشد المبرد:
وشاهدنا الحل والياسمين                     والمشبعان بقضابها
          وفيه لغة أخرى، وهي إعراب النون، وجعله بالياء على كل حال، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (وبئست صفون) قال عبد القاهر: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزعي والجمهور الأعظم من المتكلمين أن عليًّا كان مصيباً في قتالة لأهل صفين أي: معاوية وعسكره كما قالوا في إصابته في قتاله أصحاب الجمل وقالوا أيضاً بأن الذين قاتلوه بغاة.
          أقول: وأقوى دليل على أنهم بغاة قصة عمار بن ياسر أن النبي صلعم قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية فقتله أصحاب معاوية.
          أقول: وذكر أن بعض الصحابة لما قتل عمار قال لمعاوية: إن النبي صلعم قد قال لعمار تقتله الفئة الباغية وقد قتله جيشك فقال: قتله الذي أتى للقتال يعني عليًّا فلما بلغ علي قال فمن قتل من الصحابة في الغزوات من قتلهم الكفار أو من أتى بهم أو كما قال.
          (باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل معين).
          قوله: (ولعل هذا عرق نزعه) وفي رواية تقدم عجائز من بني عجل فأخبرن أنه كان للمرأة جدة سوداء.
          و(صفين) بكسر أوله وثانيه وتشديده موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من غربها، قال: بين الرقة وبالس قاله ياقوت.
          وقال مختصر كتاب ياقوت المسمى بمراصد الاطلاع اختصار صفي الدين بن عبد الحق البغدادي هي أرض فوق بالس بمقدار نصف مرحلة وهما غربي الفرات، وأما الرقة فهي شرقي الفرات أسفل من محاذاة بالس بها كانت الوقعة بين علي ◙ ومعاوية.
          ثم قال وصفون قرية في سواد اليمامة بها جبلان / يقال لها: الكبدات وهي أجود تمر في الدنيا.