مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول النبي: «بعثت بجوامع الكلم»

          ░1▒ باب قوله: بعثت بجوامع الكلم
          فيه حديث أبي هريرة: قال النبي صلعم بعثت بجوامع الكلم.
          وعنه أيضاً عن النبي صلعم قال: ((ما من الأنبياء نبي)) الحديث.
          قال الهروي: جوامع الكلم القرآن جمع الله تعالى فيه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة، وقال عمر بن عبد العزيز عجبت لمن لاحق الناس كيف لا يعرف جوامع الكلم أي: كيف لا يقتصر على الوجيز ويترك الفضول، قال الداودي: ومما آتاه الله من جوامع الكلم {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} الآية [الأعراف:199] فدخل في هذا جميع الأمر والنهي، وقبول الفرائض ومراعاتها، وكانت الأنبياء لا تطنب، وإنما تقول جملاً تؤدي بها ما أمرت به وتبلغ بها ما أرادت، وتوضح بها ما احتيج إلى إيضاحه.
          قوله: (آمن عليه البشر) أي: صدقت بتلك الآيات؛ لإعجازها لمن شهدها، كقلب العصا حية، وفرق البحر لموسى، وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى ◙.
          (وكان الذي أعطيت أنا وحيا أوحاه الله إلي) فكان آية باقية دعي إلى الإتيان بمثله أهل التعاطي له، ومن نزل بلسانه، فعجزوا عنه ثم بقي آية ماثلة للعقول إلى من يأتي إلى يوم القيامة، يرون إعجاز الناس عنه رأي العين، والآيات التي أوتيها غيره من الأنبياء قبله رئي إعجازها في زمانهم، ثم لم تصحبهم إلا مدة حياتهم وانقطعت بوفاتهم، وكان القرآن باقياً بعد نبينا تحدى الناس إلى الإتيان بمثله، ويعجزهم على مرور الأعصار، فكان آية باقية لكل من أتى؛ فلذلك رجا أن يكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة، مع أن الله تعالى قد ضمن هذه الآية أن لا يدخلها الباطل إلى يوم القيامة بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وضمن نبينا بقاء شريعته وإن بعضها قوم بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)).
          ومعنى (تلغثونها): تأكلونها، يعني: الدنيا، من اللغث وهو طعام يغش بالشعير، و(ترغثونها): ترضعونها من: رغث الجدي أمة / إذا رضعها.
          قال ابن بطال: (وأنتم تلغثونها أو ترغثونها)، شك في أي الكلمتين قال ◙. فأما اللغث باللام فلم أجده فيما تصفحت من اللغة، وأما رغث بالراء والغين المعجمة المفتوحة فمعروف عندهم، يقال: رغثت كل أنثى ولدها، وأرغثته: أرضعته، فهي رغوث كأنه قال: أنتم ترضعونها.
          وكذا قال القزاز وأبو عبد الملك أما باللام فلا يعرف له معنى، وأما الراء فمعناه: ترضعونها، والرغث: الرضاع، وناقة رغوث؛ أي: غزيرة اللبن، وكذلك الشاة.
          ولذلك قال: تنتثلونها؛ أي: تستخرجونها، قال أبو عبيد: النثل: ترك الشيء بمرة واحدة، يقال: أنثل ما في كنانته إذا صبها ونثرها.
          وذكر ابن سيده اللغيث: الطعام المخلوط بالشعير كالبغيث عن ثعلب.
          وفي ((المنتهى)) لأبي المعالي: لغث طعامه ولعثه، بالغين والعين إذا فرقه عن يعقوب، واللغيث ما يبقى في المكوك من البر.
          قلت: فعلى هذا يكون معناه، وأنتم تأخذون الطعام فتفرقونه لمن تريدون بعد حوزكم إياه، ويكون أدخل في المعنى من الراء والعين التي ذكرها، وزعم بعض من تكلم على هذا الحديث أنه رآه: تلعقونها بالعين والقاف وهو متوجه.
          (ومفاتيح خزائن الأرض) ما فتح الله على أمته، وخزائن جمع: خزانة، وهي الموضع الذي يخزن فيها سمي بذلك؛ لأنها من بيت المخزون.
          قوله: (ما مثله أومن) أومن قال ابن التين: صوابه (آمن) ثلاثي، يقال: آمنته على كذا وائتمنته، قال تعالى: {مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:11].
          والذي أوتيه الأنبياء: أوتي صالح الناقة، وإبراهيم برد النار عليه، وموسى الآيات البينات. وسلف في كتاب العلم على نمط آخر.