مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب البكاء عند قراءة القرآن

          ░35▒ باب البكاء عند قراءة القرآن
          فيه حديث عبد الله: (اقرأ علي). السالف. وسفيان هذا هو ابن سعيد بن مسروق الثوري.
          فقوله: (وعن أبيه) أي: والد سفيان، وهو سعيد.
          ثم ساقه عن قيس بن حفص، وقيس هذا هو ابن حفص بن القعقاع أبو محمد البصري الدارمي مولاهم، من أفراده عن الخمسة، وليس في شيوخ الستة من اسمه قيس غيره، فهو من الأفراد.
          قال (خ): مات سنة تسع وعشرين ومائتين. وقال غيره: سنة سبع.
          ولا شك في حسن البكاء عند قراءة القرآن، وقد فعله الشارع وكبار الصحابة، وإنما بكى الشارع والله أعلم عند هذه الآية؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة وشدة الحال الداعية إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به، وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف، ذكر أبو عبيد، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه، قال: انتهيت إلى رسول الله صلعم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
          وعن الأعمش، عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن في زمن أبي بكر سمعوا القرآن فجعلوا يبكون، فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.
          وقال الحسن: قرأ عمر: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7] فربا ربوة عِيْدَ منها عشرين يوماً.
          وعن ابن المبارك، عن مسعر، عن عبد الأعلى التيمي قال: من أوتي من العلم ما لا يبكيه فليس بخليق أن يكون أوتي علماً ينفعه؛ لأن الله بعث العلماء فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} الآيتين [الإسراء:107].
          وقرأ عبد الرحمن بن أبي ليلى سورة مريم، فلما انتهى إلى قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58] فسجد بها، فلما رفع رأسه قال: هذه السجدة فأين البكاء؟
          فصل
          وكره السلف الصعق والغشي عند قراءة القرآن، ذكر أبو عبيد بإسناده عن أبي حازم قال: مر ابن عمر برجل من أهل العراق ساقط والناس حوله، فقال: ما هذا؟ فقالوا: إذا قرئ عليه القرآن أو سمع الله تذكر خر من خشية الله. فقال ابن عمر: والله إنا لنخشى الله وما نسقط.
          وقال هشام بن / حسان: سئلت عائشة عمن صعق عند قراءة القرآن، فقالت: القرآن أكرم من أن تنزف عنه عقول الناس، ولكنه قال الله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}الآية [الزمر:23].
          وسئل ابن سيرين عن ذلك فقال: ميعاد بيننا وبينه أن يجلس بحائط ثم يقرأ عليه القرآن كله، فإن وقع فهو كما قال.
          قال والدي ⌂:
          (الترتيل) أي: الترسيل والتبيين للحروف والإشباع للحركات.
          قوله: (أبو النعمان) بضم النون، و(واصل) ضدُّ: الفاصل ابن حيان بفتح المهملة وشدة التحتانية الأسدي، و(هذًّا) بالمعجمة، الخطابي: معناه سرعة القراءة والمرور فيه من غير تأمل للمعنى كما ينشد الشعر وتُعد أبياته وقوافيه.
          النووي: هو الإفراط في العجلة في تحفظه وروايته لا في إنشاده وترنمه؛ لأنه يزيد في الإنشاد والترنم في العادة، وفيه النهي عن الهذ والحث على الترتيل.
          قوله: (القراءة) بلفظ المصدر وفي بعضها بلفظ جمع القارئ، و(القرناء) أي: النظائر في الطول والقصر. فإن قلت: تقدم قريباً في باب كاتب النبي صلعم أنه عشرون سورة وهاهنا قال ثماني عشر وعد ثمة حم من المفصل وهاهنا قد أخرجه منه؟ قلت: مراده من ثمة أن معظم العشرين منه.
          قال النووي: ومن آل حم يعني: هما من السور التي أولها حم كقولك فلان من آل فلان، وقيل: يجوز أن يكون المراد حم نفسها كما قال من مزامير آل داود ويريد به داود نفسه.
          أقول: ولولا أنه في الكتابة منفصل لحسن أن يقال أنه الألف واللام التي لتعريف الجنس يعني: وسورتين من جنس الحواميم.
          قوله: (جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى، و(موسى ابن أبي عائشة) بالهمز بعد الألف الكوفي و(أطرق) أي: سكت فلم يتكلم.
          قوله: (جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى (ابن حازم) بالمهملة والزاي الأزدي بالزاي والمهملة، و(عمرو) بالواو ابن عاصم القيسي، و(ببسم الله) أي: أدخل الباء في الباء إما لأنه ذكر بسم الله على سبيل الحكاية، وإما لأنه جعله كالكلمة الواحدة علماً لذلك والمد إنما هو يكون في الواو والألف والياء وقيل: كانت مدًّا معناه ذات مد أو هو بمعنى المد تأنيث الأمد وللقراء في موضع المد وفي مقداره وجوهات.
          قوله: (ابن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتانية وبالمهملة هو آدم المروزي ثم العسقلاني، و(شعبة) بضم المعجمة وإسكان المهملة الإمام المشهور، و(أبو إياس) بالهمزة المكسورة وخفة التحتانية معاوية بن قرة بضم القاف وشدة الراء البصري، و(عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة والفاء الشديدة، و(الترجيع) التكرير وترجيع الصوت ترديده في الحلق كقراءة أصحاب الألحان، و(محمد بن خلف) بفتح المعجمة واللام أبو بكر المقري البغدادي، و(أبو يحيى) عبد الحميد بن عبد الرحمن بن بشمن بفتح الموحدة وإسكان المعجمة وكسر الميم وبالنون فارسي معرب معناه الصوفي الحماني بكسر المهملة وشدة الميم وبالنون الكوفي أصله من خوارزم مات سنة ثنتين ومائتين، و(بريد) مصغر البرد بالموحدة، ابن عبد الله بن أبي بُردَة بضم الموحدة يروي عن جده أبي بردة عامر ابن أبي موسى عبد الله الأشعري.
          و(المزمار) المراد به: الصوت الحسن وأصل الزمر الغناء، و(آل داود) هو داود نفسه والآل مقحم. الخطابي: يريد به نفس داود؛ لأنه لم يُذكر أن أحداً من آل داود كان قد أعطي من حسن الصوت / ما أعطي داود ◙.
          وقال أبو عبيدة وقد سئل عمن أوصى لآل فلان بمال: هل لفلان من ذلك شيء فقال نعم قال الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] وفرعون أولهم.
          قوله: (عمر بن حفص) بالمهملتين (ابن غياث) بكسر المعجمة وخفة التحتانية وبالمثلثة، و(عبيدة) بفتح المهملة وكسر الموحدة السلماني، و(يذرفان) بالمعجمة وكسر الراء وبالفاء؛ أي: يسيلان دمعاً مر في سورة النساء.
          قوله: (ابن شبرمة) بضم المعجمة والراء وسكون الموحدة، عبد الله الضبي قاضي الكوفة مات سنة أربع وأربعين ومائة، و(أبو مسعود) هو عقبة بضم المهملة البدري.
          فإن قلت: عبد الرحمن هاهنا يروي عن علقمة عن أبي مسعود ومر في باب فضل سورة البقرة وآنفاً في باب من لم ير بأساً أنه يروي هذا الحديث بعينه عن أبي مسعود بدون الواسطة، فهل سقطت الواسطة ثمة فما حكمه؟ قلت: كلاهما صحيح فهو تارة يروي بالواسطة وأخرى بدونها.
          قوله: (مغيرة) هو ابن مقسم بكسر الميم الكوفي، و(الكنة) بفتح الكاف وشدة النون، امرأة الابن. فإن قلت: أين المخصوص بالمدح؟ قلت: محذوف قال المالكي في ((الشواهد)): تضمن هذا الحديث وقوع التميز بعد فاعل نعم ظاهراً وسيبويه لا يجوز أن يقع التميز بعد فاعله إلا إذا أضمر الفاعل وأجازه المبرد وهو الصحيح.
          أقول: يحتمل أن يكون معناه نعم الرجل من بين الرجال والنكرة في الإثبات قد تفيد التعميم كما قال الزمخشري في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] أو أن يكون من باب التجريد وكأنه جرد من رجل(1) موصوف بكذا وكذا رجلاً فقال نعم الرجل المجرد من كذا فلان.
          و(الكنف) الساتر والوعاء أو بمعنى الكنيف، فإن قلت: ما المقصود من الجملتين؟ قلت: يعني لم يضاجعنا حتى يطأ فراشاً لنا ولم يطعم عندنا حتى يحتاج الى أن يفتش عن موضع قضاء الحاجة؛ أي: قوام بالليل صوام بالنهار أو معناه لم يحصل لأجلنا فراشاً ولا ساتراً ونحوه.
          فإن قلت: فلا يكون مدحاً؟ قلت: يكون من باب التعكيس.
          قوله: (التقى به) مشتق من اللقاء؛ أي: اجتمعا عندي، و(كبرت) بكسر الموحدة.
          فإن قلت: كيف جاز له مخالفة أمر رسول الله صلعم؟ قلت: علم أن مراده تسهيل الأمر وتخفيفه عليه فإن الأمر ليس للإيجاب.
          قوله: (والذي يقرأه) أي: والذي أراد أن يقرأه بالليل يعوضه في النهار، و(أحصى) أي: عدد أيام الإفطار، فإن قلت: قد فارق النبي صلعم على صوم الدهر وقد ترك ذلك؟ قلت: غرضه أنه ما ترك السرد والتتابع في الجملة وهو الذي فارقه عليه.
          قوله: (في ثلاث) يعني: روى بعضهم أقرأ في كل ثلاث ليال مرة أو في خمس وأكثرهم على سبع ليال.
          قوله: (شيبان) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية، أبو معاوية النحوي، و(يحيى) أي: ابن أبي كثير، و(محمد بن عبد الرحمن) مولى بني زهرة بضم الزاي وسكون الهاء، و(عبيد الله) هو: ابن موسى روى (خ) عنه بلا واسطة في كتاب الأيمان، و(أبو سلمة) بفتح المهملة واللام ابن عبد الرحمن بن عوف.
          فإن قلت: مقتضى أن لا تزد أن لا يجوز الزيادة؟ قلت: لعل ذلك بالنظر إلى المخاطب خاطبه لضعفه وعجزه أو النهي ليس للتحريم.
          قوله: (صدقة) أخت الزكاة ابن الفضل، و(يحيى) هو القطان، و(سفيان) هو الثوري، و(سليمان الأعمش)، و(إبراهيم) هو النخعي، و(عبيدة) بفتح المهملة السلماني، و(عبد الله) أي: ابن مسعود وقال يحيى: روى الأعمش بعض الحديث عن عمرو بن مرة بضم الميم وشدة الراء عن إبراهيم / عن عبيدة عن عبد الله قال: قال لي النبي صلعم وقال الأعمش وحدثني بعض الحديث عمرو عن إبراهيم... إلى آخره.
          قوله: (وعن أبيه) أي: روى سفيان عن أبيه سعيد بن مسروق الثوري (عن أبي الضحى) بضم المعجمة والقصر مسلم، ومر الحديث في سورة النساء.
          قوله: (عبيدة) بفتح المهملة (السلماني) بالمهملة المفتوحة وإسكان اللام وفتحها.
          الزركشي:
          (الترجيع) ترديد القراءة، ومنه ترجيع الأذان، وهذا إنما حصل منه والله أعلم يوم الفتح؛ لأنه كان راكباً فجعلت الناقة تحركه وتسير به فحدث الترجيع في صوته، فلا يبقى لترجمة (خ) فيه متمسك، لكن تسمية عبد الله بن مغفل له في هذه ترجيعاً يدل على أنه اختيار لا اضطرار، وقد أعاده في كتاب التوحيد وزاد في صفة الترجيع وقال: ثلاث مرات، وهو محمول على إشباع المد في موضعه، ويحتمل أن يكون حكاية صوت عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته كما ذكرناه.
          (يتعاهد كنته) قال الجوهري: الكنة بالفتح امرأة الابن، ويجمع على كنائن كأنه جمع كنينة.
          (ولم يكشف كنفا) بفتحتين؛ أي: ستراً، كنت بذلك عن امتناعه عن جماعها.
          (صيام يوم وإفطار يوم) بنصبهما (مولى بني زهرة) بضم الزاي وإسكان الهاء.
          (عن إبراهيم وعن أبيه عن أبي الضحى) قوله: وعن أبيه هو سفيان بن سعيد الثوري، رواه عن أبيه سعيد عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، ولم يذكر أبو الضحى ابن مسعود فلهذا جمع (خ) بينهما.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          (الترجيع): هو ترديد القراءة ومنه ترجيع الأذان وقيل هو تقارب ضروب الحركات في الصوت.
          قوله: (لأحفظ القرناء) يجوز أن تكون السورتان فيهما من المواعظ والحكم أو القصص أو غير ذلك فأطلق عليها القرناء ويجوز أن يكون للتقارب في القدر.
          قوله: (ثماني عشر سورة من المفصل) الرحمن والنجم في ركعة، واقترب والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، والدخان وعم في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة.


[1] في هامش المخطوط: ((ولم يطأ حاله أو هو المخصوص بنحو نعم المجيء جاء أو صفة)).