مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب القراءة عن ظهر القلب

          ░22▒ باب القراءة عن ظهر القلب
          فيه حديث سهل بن سعد السالف في الباب قبله، وفي آخره: ((ملكتها بما معك)) وقال في الباب قبله، وفي الوكالة: ((زوجتكها)) وسيأتي الكلام عليه.
          واعترض ابن بطال فقال: هذا الحديث يدل على خلاف ما تأوله الشافعي في إنكاحه ◙ الرجل بما معه من القرآن، أنه إنما زوجه إياها بأجرة تعليمها وليس كما قال ابن بطال بل هو صريح كما قال الشافعي لقوله: ((بما معك من القرآن)).
          قال: وقوله: ((أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟)) قال: نعم. فزوجه لذلك) يدل على أنه إنما زوجها منه لحرمة استظهاره للقرآن، وقد روي عن رسول الله صلعم تعظيم حامل القرآن وإجلاله وتقديمه. ذكر أبو عبيد من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: قال رسول الله صلعم: ((إن من تعظيم جلال الله إكرام ثلاثة: الإمام المقسط وذي الشيبة المسلم وحامل القرآن)).
          وقد روي أنه ◙ أمر بالقرآن في المصحف نظراً من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: ((أعطوا أعينكم حظها من العبادة)) قالوا: يا رسول الله، وما حظها من العبادة؟ قال: ((النظر في المصحف والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه)) قال يزيد ابن أبي حبيب: من قرأ القرآن في المصحف خفف عن والديه العذاب وإن كانا كافرين.
          وعن عبد الله بن حسان قال: اجتمع اثنا عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلعم على أن من أفضل العبادة قراءة القرآن نظراً. وقال أسد بن وداعة: ليس من العبادة شيء أشد على الشيطان من قراءة القرآن نظراً.
          وقال وكيع: قال الثوري: سمعنا أن تلاوة القرآن / في الصلاة أفضل من تلاوته في غيرها وتلاوته أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصوم، والقراءة في المصحف أحسن من القراءة ظاهراً؛ لأنها زيادة.
          وروي عن الأعمش قال: مر رجل بعبد الله بن مسعود وهو يقرئ قوماً القرآن، فقال: ما يصنع هؤلاء؛ فقال ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد صلعم.
          وقال ابن مسعود: لا يسأل أحد عن نفسه غير القرآن، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله.
          وعن أنس مرفوعاً قال: ((إن لله أهلاً من الناس)) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((هم أهل القرآن أهلُ الله وخاصته)).
          قال والدي ⌂:
          (فضل القرآن) قولُه: (هُدبة) بضم الهاء وإسكان المهملة وبالموحدة، ابن خالد أبو خالد القيسي، و(همام) أي: ابن يحيى، و(الأترجة) في بعضها: الأترنجة، و(الذي يقرأ) أي: المخلص الذي يقرأ بقرينة قسيمة الفاجر، و(الفاجر) أي: المنافق، وسيجيء الحديث بعد ورقة بذكر المنافق صريحاً، وحاصله أن المؤمن إما مخلص أو منافق وعلى التقديرين إما أن يقرأ أو لا.
          و(الطعم) هو بالنسبة إلى نفسه، و(الريح) بالنسبة إلى السامع، وقال التوربشتي(1): الأترجة أفضل الثمار للخواص الموجودة فيها مثل: كبر جرمها وحُسن منظرها وطيب طعمها ولين ملمسها، فاقع لونها تسر الناظرين ثم أكلها يفيد بعد الالتذاذ طيب نكهة ودباغ معدة وقوة هضم، واشتراك الحواس الأربع البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها، ثم إن أجزاءها تنقسم إلى طبائع فقشرها حار يابس ولحمها حار رطب وحماضها بارد يابس وبزرها حار مجفف وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية.
          قوله: (القيراط) أصله القراط فأبدل أحد حرفي التضعيف ياءً والمراد به هنا: الأجر، ومر الحديث في باب من أدرك ركعةً من العصر في كتاب مواقيت الصلاة.
          فإن قلت: الترجمة لفضل القرآن وفي الحديث الأول فضل القارئ، وأما الحديث الثاني فلا دلالة له على الترجمة أصلاً قلت: فضائل القارئ بقراءة القرآن وكذلك فضل هذه الأمة على الأمم إنما هو بسبب القرآن.
          قوله: (الوصاية) بالهمز وبالتحتانية وفتح الواو وكسرها، و(مالك) هو ابن مِغْول بكسر الميم وإسكان المعجمة وفتح الواو البجلي، و(طلحة بن مصرف) بكسر الراء المشددة اليامي بالتحتانية، و(عبد الله ابن أبي أوفى) بلفظ أفعل التفضيل.
          قوله: (بكتاب الله) فإن قلت: هذا مناف لقوله لا؟ قلت: مخصوص بما يتعلق بالمال، أو بأمر الخلافة.
          قوله: (لشيء) في بعضها: لنبي، وقيل: هو جنس سائغ في كل شيء فالمراد بالقرآن القراءة، و(أذن) بكسر الذال استمع، واستماع الله تعالى مجاز عن تقريبه القارئ وإجزال ثوابه، والظاهر أن المراد (بصاحب له) صاحب لأبي هريرة، و(يجهر به) يعني: يتغنى معناه يجهر به بتحسين الصوت وتحزينه وترقيقه ويستحب ذلك ما لم تخرجه الألحان عن حد القراءة، فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفى حرفاً فهو حرام، وقال سفيان بن عيينة معناه: يستغني به عن الناس يقال: تغنيت واستغنيت بمعنى.
          فإن قلت: الحديث أثبت التغني بالقرآن فلم ترجم الباب بقوله: من لم يتغن بصورة النفي؟ قلت: إما باعتبار ما روي عنه صلعم أنه قال: ((من لم يتغن بالقرآن فليس منا)) فأراد الإشارة إلى ذلك / الحديث ولما لم يشرطه لم يذكره وإما باعتبار مفهومه. الخطابي: فيه وجه ثالث وهو أن العرب كانت تولع بالغناء والنشيد في أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب أن يكون هجيراهم مَكَان الغناء فقال: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) فيحتمل هذا الحديث أيضاً مثل ذلك.
          قوله: (اثنين) أي: رجلين، في بعضها: ((اثنتين)) أي: خصلتين، و(رجل) بالجر على تقدير خصلة رجل. فإن قلت: الحسَد قد يكون في غيرهما فما معنى الحصر؟ قلت: المقصود لا حسد جائز في شيء إلا فيهما، أو أطلق الحسَد وأرَادَ به الغبطة والترجمة تدل عليه أو أريد بالحسَد شدة الحرص والترغيب، أو هو من قبيل {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان:56].
          قوله: (علي بن إبراهيم) ويقال: هو علي بن عبد الله بن إبراهيم، و(روح) بفتح الراء (ابن عبادة) بضم المهملة، و(سليمان) أي: الأعمش، و(ذكوان) أي: أبو صالح.
          قوله: (في اثنتين) فإن قلت: ما الفرق بينه وبين ما سبق آنفاً على اثنتين قلت: ((على)) هو الأصل وأما ((في)) فمعناه في شأن اثنتين، ومر مباحث الحديث في كتاب العلم في باب الاغتباط.
          قوله: (حجاج) بفتح المهملة وشدة الجيم الأولى (ابن منهال) بكسر الميم وسكون النون، و(علقمة) بفتح المهملة والقاف وإسكان اللام (ابن مرثد) بفتح الميم والمثلثة وتسكين الراء وبالمهملة، الحضرمي الكوفي، و(سعد بن عبيدة) مصغر: العبدة ختن أبي عبد الرحمن عبد الله السُّلَمي بضم المهملة وفتح اللام.
          فإن قلت: ما وجه خيريته ومن يُعلي كلمة الله ويجاهد بين يدي رسول الله صلعم ويأتي بسائر الأعمال الصالحات كان هو أفضل؟ قلت: المقامات مختلفة لا بد من اعتبارها كما أنه علم أن أهل المجلس اللائق بحالهم التحريض على التعلم والتعليم، أو المراد خير المتعلمين المعلمين من كان تعليمه وتعلمه في القرآن لا في غيره، إذ خير الكلام كلام الله فكذلك خير الناس بعد النبيين من اشتغل به، أو المراد خيرية خاصة من هذه الجهة ولا يلزم أفضليتهم مطلقاً.
          قوله: (أو علمه) وفي بعضها: ((وعلمه)) وقال سعد: أقرأ عبد الرحمن الناس في إمارة عثمان حتى كان زمان حكومة الحجاج بن يوسف الثقفي، وفي بعضها: ((أقراني)) بذكر المفعول وهذا أنسب لقوله (وذلك) أي: إقراؤه إياي هو الذي أقعدني هذا المقعَدَ الرفيع والمنصب الجليل.
          قوله: (عمرو بن عون) بفتح المهملة وبالنون الواسطي، و(حماد) هو ابن زيد بن درهم الأزدي، و(أبو حازم) بالمهملة والزاي، اسمه: سلمة بن دينار.
          قوله: (اعتل) أي: حزن وتضجر لأجل ذلك وقد جاء اعتل بمعنى: تشاغل.
          قوله: (بما معك) قال الشافعي: جاز كون الصداق تعليم القرآن خلافاً للحنفية قالوا الباء ليست للمقابلة بل للسببية؛ أي: زوجتكها بسبب ما معك منه ولعلها وهبت صداقها لذلك الرجل أو جعله ديناً عليه.
          الخطابي: هي للتعويض ولو كان معناه ما أولوه ولم يرد بها معنى المهر لم يكن لسؤاله إياه هل معك من القرآن معنى أي: التزويج حينئذ لا يحتاج إلى هذا السبب، وقال في موضع آخر: الباء هي كقولك بعته بدينار للعوض ولو كان معناه أنه زوجها إياه من أجل حفظه القرآن تفضيلاً له لجعلت المرأة موهوبة بلا مهر، وهذا خاص بالنبي صلعم.
          أقول: ظهر من هذا التقدير مناسبة هذا الحديث للترجمة وقال: وفيه أن المهر لا حد لأوله وأن المال غير معتبر في الكفاءة.
          النووي: / فيه عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها وجواز إنكاح المرأة من غير أن تسأل هل هي في العدة واستحباب أن لا يعقد النكاح إلا بصداق؛ لأنه أقطع للنزاع وجواز أن يكون الصداق قليلاً وقال مالك: أقله ربع دينار، وقال أبو حنيفة: عشرة دراهم قال: وهما محجوجان بهذا الحديث الصحيح الصريح.
          قوله: (صعد) بتشديد المهملة؛ أي: رفع، و(صوبه) أي: خفضه وكذلك (طأطأ رأسه)، و(موليا) أي: معرضاً زاهداً مدبراً، و(عن ظهر قلبك) أي: من حفظك لا من النظر ولفظ (الظهر) مقحم أو بمعنى الاستظهار.
          قوله: (ملكتها) بلفظ المجهول وفي بعضها: ((ملكتكَها)). قال الدارقطني: رواية ملكتها وهم والصواب رواية من روى زوجتكها. فقال النووي: يحتمل أن يكون جرى لفظ التزويج أولاً فملكها ثم قال له: اذهب فقد ملكتَها بالتزويج السابق فليس بوهم.
          وفيه جواز الحلف من غير استحلاف وتزويج المعسر وجواز النظر الى امرأة يريد أن يتزوجها، انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول: ولم يذكر الزركشي فائدة زائدة فتذكر.
          أقول:
          قوله: (لم يأذن الله لشيء ما أذن للنبي صلعم يتغنى بالقرآن) أي: ما استمع لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن أي: يتلوه ويجهر به يقال: أذن يأذن أذَناً بالتحريك فقوله: ما أذن الله لشيء كأذنه بقوله أذن بكسر الذال، وقوله: كأذنه بفتح الذال.
          قال الهروي: ما أسمع والله لا يشغله سمع عن سمع.
          وقيل: أول من قرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكر فورثه عنه عبيد الله بن عمر ولذلك يقال قراءة العمري.
          قوله: (أتت النبي صلعم امرأة) اسمها: خولة بنت حكيم تكنى: أم شريك وهي غير أم شريك العامرية واسمها: عرنة.
          قوله: (ما معك من القرآن) قال كذا وكذا هو سبع سور من المفصل رواه تمام الراوي في ((فوائده)).


[1] في هامش المخطوط: ((هو شارح المصابيح)).