مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب فضل القرآن على سائر الكلام

          ░17▒ باب فضل القرآن
          على سائر الكلام فيه حديث أبي موسى، عن النبي صلعم: ((مثل الذي يقرأ القرآن كالأترجة)) الحديث.
          وحديث ابن عمر السالف في الصلاة ووجه ذكره لهما هنا أنه لما كان ما جمع طيبَ الرائحة والطعم أفضل المأكولات. وشبه الشارع المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة التي جمعت طيب الريح وطيب الطعم، دل ذلك أن القرآن أفضل الكلام، ودل هذا الحديث على مثل القرآن وحامله والعامل به، والتارك له، وكذا دل حديث ابن عمر لما كان المسلمون أكثر أجراً من الفريقين دل ذلك على فضل التوراة والإنجيل؛ لأن المسلمين إنما استحقوا هذه الفضيلة بالقرآن الذي فضلهم الله به، وجعل فيه الحسنة عشر أمثالها والسيئة واحدة، وتفضل عليهم بأن أعطاهم على تلاوته لكل جزء عشر حسنات كما قال ابن مسعود، وأسنده مرفوعاً أيضاً، وقد وردت آثار كثيرة في فضائل القرآن والترغيب في قراءته.
          وروى أبو قبيل، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: ((إن القرآن والصيام يشفعان يوم القيامة لصاحبهما، فيقول الصيام: يا رب إني منعته الطعام والشراب فشفعني فيه. ويقول القرآن: يا رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان فيه)).
          وقال ابن عباس: من قرأ القرآن لم يُرد إلى أرذل العمر.
          ذكر هنا في الفاجر الذي لا يقرأ: ((كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح))، وفي (خ) قريباً في باب: من راءى به: ((وريحها مر)). وكأن ما هنا أجودُ؛ لأن الريح لا طعم له؛ إذ المرارة عرض، والريح(1) عرض، والعرض لا يقوم بالعرض. وقد يقال: إن ريحها لما كان كريهاً استعار للكراهة لفظ المرارة لما بينهما من الكراهة المشتركة.
          وروى ابن الضريس من حديث الجريري، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى: ((مثل الذي يقرأ القرآن ويعمل به مثل الأترجة طيب ريحها طيب خارجها، ومثل الذي يعمل به ولا يقرؤه كمثل النخلة طيب خارجها ولا ريح لها..)) الحديث.
          وتمثيل رسول صلعم الإيمان بالطعم، والقرآن بالريح في قوله: ((طعمها طيب وريحها طيب)) لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن، إذ جريان الكفر عليه قليل نادر، كما أن الطعم ألزم للجوهر من الريح، وأخص به، إذ كثير من الجواهر يذهب ريحها وطعمها باق.
          وهذا الحديث يقتضي قسمة رباعية؛ لأن الإنسان إما مؤمن أو منافق، وكل منهما إما قارئ أو غيره، وكذا الجوهر إما أن يجتمع فيه / الطعم أو الريح أو ينتفيا، أو يوجد أحدهما دون الآخر.
          قال بعضهم فيما حكاه المنذري: قراءة الفاجر والمنافق لا ترفع إلى الله، ولا تذكر عنده، وإنما يرفع إليه ويذكر عنده من الأعمال ما أريد به وجهه وكان عن نية وقربة، ألا ترى أنه شبه الفاجر القارئ بالريحانة من حيث أنه لم ينتفع ببركة القرآن، ولم يفز بحلاوة أجره، ولم يجاوز الطيب حلوقهم موضع الصوت، ولا بلغ إلى قلوبهم ذلك الطيب؛ لأن طعم قلوبهم مر بالنفاق المستتر فيها كما استتر طعم الريحانة في عودها مع ظهور رائحتها.
          الأترجة بضم الهمزة وتشديد الجيم، ويقال أترنجة، وفي رواية: الأترنجة. وحكى أبو زيد: ترنجة وترنج وترج. وذكر العلامة عبد الوهاب بن سحنون التنوخي في كتاب ((الأدوية القلبية)) أن بعض الحكماء غضب على بعض الأكاسرة وسجنه(2)، وقال: خيروه إداماً واحداً لا يزاد عليه؛ فقيل له، فاختار الأترج، فسئل عن ذلك فقال: إنه في العاجل ريحان يسُر نفسي، والتبقل بقشره يفرح قلبي، ولحمه وقشره حماضة إدامان يغتذي بهما بدني، وأستخرج من حبه دهناً أقضي به وطري.
          قال ابن سحنون: جمع الله فيه ما لم يجمع في غيره من الثمار من الفوائد والمنافع.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: الريح أحد العناصر الأربعة وهو جوهر)).
[2] في هامش المخطوط: ((صوابه: عيب بعض الأكاسرة على بعض الحكماء)).