مجمع البحرين وجواهر الحبرين

فضل البقرة

          ░10▒ باب فضل البقرة
          فيه حديث إبراهيم، عن عبد الرحمن وهو ابن يزيد عن أبي مسعود واسمه عقبة بن عمرو البدري عن النبي صلعم قال: ((من قرأ بالآيتين وفي لفظ: من آخر سورة البقرة)) الحديث وسلف.
          قال الجياني: وفي نسخة أبي محمد عن أبي أحمد، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود والصواب أبو مسعود مكنى؛ لأنه حديثه ومشهور به وعنه خرجه (م) والناس.
          ثم قال (خ): وقال عثمان بن الهيثم: ثنا عوف... إلى آخره.
          وسلف في الوكالة والفضائل وصفة إبليس. وأخرجه (ن) عن إبراهيم بن يعقوب، عن عثمان؛ وكأن (خ) أخذه عنه مذاكرة.
          والآيتان من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة:285] إلى آخر السورة كما ذكره ابن التين.
          وسبب تخصيصهما بما تضمنتا من الثناء على رسول الله وعلى أصحابه بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه في جميع أمورهم، ولما حصل لهم فيهما من إجابة دعائهم.
          وفي قوله ((كفتاه)) أقوال: أظهرها: من قيام ليلة، وقد جاء مصرحاً به في رواية علقمة عن أبي مسعود البدري أنه قال: من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة. قال: وأعطي رسول الله خواتيم البقرة من كنز تحت العرش.
          أخرجه ابن الضريس، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن علقمة به.
          وقريب منه: ((أقل ما يكفي في قيام الليل آيتان)) يريد مع أم القرآن. وقال ابن شبرمة في (خ) بعد هذا: نظرت كم يكفي الرجل من القرآن فلم نجد سورة أقل من ثلاث آيات، وفيه: قول ثان: مما يكون من الآفات تلك الليلة.
          وثالث: من الشيطان وشره.
          ورابع: من خوفه إن كان له خوف من القرآن. وقيل: حسبه بهما أجراً وفضلاً.
          وفي ((مستدرك الحاكم)) من حديث النعمان بن بشير مرفوعاً: ((إن الله ╡ كتب كتاباً قبل خلق السموات والأرض بألفي عام، وأنزل به آيتين ختم بهما سورة البقرة؛ لا يقرآن في دار فيقربها الشيطان ثلاث ليال)) ثم قال: على / شرط (م).
          ومن حديث معاذ لما مسك الجني الذي سرق تمرة مرة بعد أخرى فقال له في الثانية: إني لا أعود، وآية ذلك أنه لا يقرأ أحد منكم خاتمة سورة البقرة فيدخل أحد منا في بيته تلك الليلة. ثم قال: صحيح الإسناد.
          وفي ((مستدرك الحاكم)) وقال: صحيح الإسناد من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((سيد آي القرآن آية الكرسي)).
          وفي ((جامع (ت))) وقال: غريب عنه مرفوعاً: ((لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة فيها آية الكُرسي)).
          وأصله في ((صحيح ابن حبان)) وعن ابن مسعود قال: ما خلق الله في سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي.
          وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي أيوب مرفوعاً: ((والذي نفسي بيده إن لهذه الآية يعني: آية الكرسي لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش)).
          وروى أبو الشيخ من حديث سلمة بن وردان المضعف عن أنس مرفوعاً: ((آية الكرسي ربع القرآن العظيم)).
          فصل
          إذا كان من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه، ومن قرأ آية الكرسي كان عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فما ظنك بمن قرأها كلها، من كفاية الله تعالى له وحرزه وحمايته من الشيطان وغيره، وعظم ما يدخر له من ثوابها؛ وقد روي هذا المعنى عن رسول الله.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (خبيب) مصغر الخب بالمعجمة والموحدة ابن عبد الرحمن الخزرجي، و(حفص بن عاصم) ابن عمر بن الخطاب، و(أبو سعيد) اسمه الحارث على اختلاف فيه ابن المعلى بلفظ المفعول من التعلية ومر شرح الحديث في أول التفسير، و(محمد بن المثنى) ضد المفرد، و(وهب) هو ابن جرير، و(هشام) أي: ابن حسان، و(محمد) أي: ابن سيرين، و(معبد) بفتح الميم والموحدة وسكون المهملة الأولى أخوه، و(أبو سعيد) اسمه سعد الخدري بضم المعجمة وإسكان المهملة، و(سليم) أي: لديغ وكأنهم تفاءلوا بهذا اللفظ، و(النفر) الرهط، و(الغيب) بضم الغين المعجمة وفتح المشددة وبفتح الغين والتحتانية الخفيفة(1)، و(نأبُنه) بالنون وضم الموحدة وكسرها وبالنون؛ أي نتهمه وقيل: إن هذا الرجل الراقي هو أبو سعيد نفسه الراوي للحديث، و(يرقي) بكسر القاف، و(ما رقيت) بفتحها، و(أم الكتاب) الفاتحة، و(لا تحدثوا) من الإحداث أي: لا تعملوا وتقدم في كتاب الإجارة.
          و(أبو معمر) بفتح الميمين، و(محمد بن كثير) ضد القليل، و(سليمان) أي: الأعمش، و(إبراهيم) أي: النخعي، و(عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة، و(أبو مسعود) هو عقبة بضم المهملة وسكون القاف، و(أبو نعيم) مصغر، و(كفتاه) أي: فيما يتعلق بالاعتقاد من المبدأ والمعاد والمعاش وبالعمل من الدعاء والاستغفار وما يترتب عليهما من الثواب أو كفتاه فيما يتعلق بإحياء الليل من التهجد ونحوه. قال النووي: كفتاه عن قراءة الكهف وآية الكرسي، قال المظهري(2): أي دفعتا عن قارئهما شر الإنس والجن.
          قوله: (عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء وإسكان التحتانية وفتح المثلثة و(خ) تارة يروي عنه بالواسطة وأخرى بدونها، و(عوف) بفتح المهملة وبالفاء الأعرابي، و(زكاة رمضان) هو الفطرة، و(قص الحديث) وهو أنه قال فقال إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي صلعم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: فقلت شكى حاجة شديدة يا رسول الله وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال: ((أما إنه قد كذب وسيعود)) فعاد إلي ثلاث مرات وقال في الثالثة / : إذا أويت من الثلاثي ولم تزل وفي بعضها لن يزال، و(حافظاً) بالنصب والرفع، و(صدقك) أي: في نفع قراءة آية الكرسي لكن من شأنه وعادته الكذب والكذوب قد يصدق ومر في كتاب الوكالة.
          الزركشي:
          (وإن نفرنا غيب) بفتحتين أي: رجالنا غائبون، والغيب بالتحريك: جمع غائب كخادم وخدم، ويروى: ((غُيب)) بضم الغين.
          (ما كنا نأبنه برقية) ما نعرفه بذلك، وأصله من التهمة، أبنت الرجل نسبته إلى شيء لا يُعرف به.
          (كفتاه) أي: شر تلك الليلة، وقيل: من قراءة غيرهما، وقيل: من قيام الليل انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (إن نفرنا غيب) نفير القوم جماعتهم الذين ينفرون في الأمر إنفارنا جمع نفر، وهم رهط الإنسان وعشيرته وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه.
          قوله: (غيب) أي: غير حضور والرقية والرقى والاسترقاء والرقية العوذة التي يرقى بها صاحب الآية كالحمى وغيرها وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها وفي بعضها منعها.
          فإن قلت: النبي صلعم نهى عن الرقى وفي حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة ولا يسترقون قلنا: ذلك إذا رقى بغير القرآن وأما بالقرآن فجائز ولذلك كان ◙ يرقي نفسه بالمعوذات وكرر الراقي بالفاتحة وقال: ما يدريك أنها رقية؟ وقال: اضربوا لي معكم بسهم.
          قوله: (أعظم سورة) فإن قلت: القرآن كله عظيم كما قال تعالى فكيف سماها ◙ أعظم سورة؟ قلنا: أفعل التفضيل لا ينفي أن يكون المفضل عليه عظيماً بل يستلزمه أو معناه أعظم سورة جزاء أو ثواباً لا أنها أعظم من غيرها في القرآنية، ومن حيث أنه كلام الله تعالى وكذلك الرسل قال تعالى: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة:285] أي: في الرسالة وقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253] وثبت أن سيدنا رسول الله صلعم أفضل النبيين والمرسلين فهو أفضل من جهات أخر غير الرسالة وأما في الرسالة والنبوة فهو مشارك غيره في الرسالة والنبوة.
          قوله: (كان جبريل يعرض القرآن) الحديث فإن قلت: ما الحكمة في عرضه سنة وفاته مرتين؟ قلت: لأنه لما تحقق قرب وفاته أراد زيادة الثواب وهو يحصل من التلاوة والعبادة قراءة في التلاوة والاعتكاف وهذه سنة لكل أحد علم قرب أجله من تجوزونا أو غيرها أو أنه ◙ لما علم اقتراب أجله إما لإعلام جبريل إياه أو بتغيير العادة من جبريل، فعلم أن ذلك بسبب ولم يعلم شيئاً إلا الموت، أو أنه عرض في رمضان سنة عشر عنها وهو مات في سنة أحد عشر من الهجرة فعرض عرضاً ثانياً عنها لعلمه أنه لا يدرك رمضانها والله أعلم بحقيقة الأمور.
          قوله: (أبي سعيد بن المعلى) اسمه: الحارث بن أوس بن المعلى مات سنة أربع وسبعين، وابنه سعد قاضي المدينة وأعمامه راشد ورافع وعبيد ونفيع وهلال وأبو قيس أولاد المعلى.
          قوله: (فاقرأ آية الكرسي) أقول: فإن قلت: الشيطان من أين علم فضيلة آية الكرسي وكيف نصح مسلماً في دينه وعلمه الخير وهو معلم الشر، وهل كان الشيطان يحفظ آية الكرسي، وهل يجوز له أن يحفظ القرآن وهو يهرب من بيت يقرأ فيه القرآن؟
          قلت: أما علمه فضيلة آية الكرسي فيمكن أنه استرق السمع وسمع من الملائكة ذلك أو سمع من النبي صلعم ويدل على تصديقه ◙ فإنه من المعلوم أن النبي صلعم عالم بفضائل القرآن فيمكن أن يكون النبي ◙ قال ذلك لبعض الصحابة فسمعه الشيطان وهو كان يحضر مجالس النبي صلعم، ويؤيده أنه أتاه ليقطع عليه الصلاة.
          وأجاز أن يحضر عند صلاته ◙ فخارج الصلاة من باب أولى، وأما نصحه مسلماً ما قصد بذلك حقيقة النصح وإنما أراد خلاص نفسه من أبي هريرة وإظهاراً لمعجزة النبي صلعم بإعلام أبي هريرة / أنه سيعود... إلى آخره، وأما أنه كان يحفظ القرآن فيمكن أنه حفظ بعض آية الكرسي أو كلها ولا محذور من ذلك، فإن كثيراً من الكفار وأهل القربة يحفظون سوراً وآيات من القرآن، وأيضاً إنه لم يقرأ آية الكرسي وإنما سماها له، ومن التسمية لا يلزم أنه كان يحفظها.


[1] في هامش المخطوط: ((غائب وغيب كخادم وخدم)).
[2] في هامش المخطوط: ((هو شارح المصابيح قال النووي في ((آداب القرآن)): كفتاه من قيام الليل، وقال آخرون: كفتاه المكروه في ليلته، وقال في ((رياض الصالحين)) نحو هذا، وقال الزركشي: كفتاه أي من شر تلك الليلة وقيل من قراءة غيرها، أقول: هذه المقالة تفسير ما نقله والدي ⌂ عن النووي وهو قوله كفتاه عن قراءة الكهف وآية الكرسي)).