مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه

          ░21▒ باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه
          عن عثمان بن عفان عن النبي صلعم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).. إلى آخره.
          تابع شعبة جماعة منهم قيس بن الربيع، ذكر الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني العطار في ((الهادي في القراءات)) أنه تابع جماعة فعددهم فوق الثلاثين، منهم عبد بن حميد، وقيس الذي ذكرناه؛ قال: وتابع سفيان مسعر ثم عدهم عشرين نفساً، وفي تصحيح (خ)، وبعده (ت) ما رواه شعبة وسفيان إشعار أنهم حملوا ذلك من هذين الجبلين.
          فصل
          الحديث دال على أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها؛ لأنه لما كان من تعلم القرآن أو علمه أفضل الناس أو خيرهم دل على ما قلناه؛ لأنه إنما وجب له الخيرية والفضل من أجل القرآن، وكان له فضل التعليم جارياً ما دام كل من علمه له بالياً.
          فإن قلت: أيما أفضل تعلم القرآن أو تعلم الفقه؟ قلت: الثاني أفضل. وقال ابن الجوزي: تعلم اللازم منهما فرض على الأعيان، وتعلم جميعهما فرض على الكفاية إذا قام به قوم سقط الحرج عن الباقين، فقد استويا في الحالتين، وإنما كان الأقرأ في زمنه ◙ هو الأفقه؛ فلذلك قدم القارئ في الصلاة، وقال ◙: ((خيركم)).. الحديث.
          ثم ذكر (خ) حديث سهل بن سعد: أتت النبي صلعم امرأة الحديث وسلف في الوكالة.
          ووجه إدخاله هنا؛ لأنه زوجه المرأة لحرمة القرآن، واعترضه ابن المنير فقال: ظن ابن بطال ذلك، وليس كذلك؛ بل معنى قوله: ((زوجتكها بما معك من القرآن)) أي: بأن تعلمها إياه، فهو من سبيل التزويج على المنافع التي يجوز / عقد الإجارة عليها، وعلى هذا حمله الأئمة، وهو الذي فهمه (خ)، فأدخله في باب تعليم القُرآن.
          قال: وقد ظهر بهذا الحديث فضل القرآن على صاحبه في الدين والدنيا تنفعه في دينه بما فيه من المواعظ والآيات، وفي دنياه بكونه قام له مقام المال الذي يتوصل به إلى النكاح وغيره من المقاصد.
          وفي الحديث: استحباب تعجيل المهر للمرأة، ويجوز أن يكون مؤخراً على ما يدل عليه قوله: ((اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن)).
          وفي (د): ((ما معك؟)) قال: البقرة والتي تليها، قال: ((قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك)) قال مكحول: ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلعم، فقد انعقد النكاح وتأخر المهر الذي هو التعليم.
          اعتذر بعض المالكية عن قوله: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) بأوجه:
          1- أن ذلك على جهة الإعياء والمبالغة كما قال: ((تصدقوا ولو بظلف مُحرق)). وفي لفظ: ((ولو بفرسن شاة)) وليسَا مما ينتفع بهما ولا يتصدق بهما، لكن ذكر غير واحد أنهم كانوا يحرقونه ويشربون عليه الماء أيام المجاعة.
          2- لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعداً؛ لأن الصواغ عندهم قليل.
          3- لعل التماسَه له لم يكن ليكون كل الصداق بل شيء تعجله لها قبل الدخول، وهما بعيدان.
          والحديث دال على أن تعليم القرآن يجوز أن يكون صداقاً وهو مذهبنا، وإحدى الروايتين عن أحمد. والثانية: لا يجوز وإنما جاز لذلك الرجل خاصة، وذكره في باب بعده أيضاً وفيه: فصعَّد النظر وصوبه. وهما مشددان كما نبه عليه ابن العربي؛ أي رفع وخفض إليها، ويجوز أن يكون ذلك كان قبل الحجاب، ويجوز أن يكون بعده، وهي متلففة، وأي ذلك كان فإنه يدخل في باب نظر الرجل إلى المرأة المخطوبة، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.