مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب تأليف القرآن

          ░6▒ باب تأليف القرآن
          فيه أربعة أحاديث:
          1- حديث يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة أم المؤمنين إذ جاءها عراقي الحديث سلف في سورة القمر، ومعنى (أول ما نزل..)، تريد: المدثر، والمشهور: {اقْرَأْ} كما تقدم، وأراد العراقي أن يكون تأليف القرآن على ما أنزل أولاً فأولاً، لا يقرأ المدني قبل المكي، والقرآن ألفه رسول الله صلعم بالوحي، كان جبريل ◙ يقول له: اجعل آية كذا في سورة كذا.
          2- حديث عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعنا ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف الحديث وسلف في تفسير سورة بني إسرائيل بسنده سواء.
          قوله: (من تلادي) يعني هن / مما نزل من القرآن أولاً، قال صاحب ((العين)): العتيق: القديم من كل شيء، والتلاد: ما كسب من المال قديماً. فيريد أنهن من أول ما حفظ من القرآن.
          3- حديث البراء: تعلمت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى:1] الحديث سلف قريباً في تفسير سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}.
          4- حديث أبي حمزة بالحاء واسمه محمد بن ميمون السكري المروزي عن الأعمش، عن شقيق قال عبد الله: لقد علمتُ النظائر الحديث سلف أيضاً في الصلاة وأخرجه (م) أيضاً.
          قال الداودي في قوله: (لقد علمت النظائر..) إلى آخره. يريد في صلاة الصبح، قال: وكان يقرأ الجاثية في الأولى، و{عَمَّ يَتَسَاءلُونَ} [النبأ:1] في الثانية، والأحقاف في الأولى من اليوم الثاني، والمرسلات في الثانية، ثم كذلك إلى عشرين صلاة، ثم يرجع إلى ذلك في أكثر أحواله، والذي تأول (خ) وغيره أنه كان يقرأ سورتين في كل ركعة، وقد بوب عليه كذلك في الصلاة، وأجازه مالك في ((مختصر ابن عبد الحكم)).
          قوله: (عشرون سورة من أول المفصل..) إلى آخره: ظاهره أن الدخان من المفصل.
          والمذكور عن ابن مسعود أن أول المفصل الجاثية، ذكره الداودي، وعنه في (خ) بعد أن ذكر أن أوله القتال، وعند العامة أنه السبع الأخير. وعن ابن مسعود أنه السدس الأخير، وهو دال على أن أوله الأحقاف، وقيل: أوله قاف، وقيل غير ذلك.
          قوله: (على تأليف ابن مسعود) صحيح؛ لأنها على تأليف القرآن خمس وثلاثون سورة من الدخان إلى {عم يتساءلون}. فتأليف ابن مسعود شيء آخر.
          فصل
          قد اختلف في ترتيب سور القرآن، فمنهم من كتب في مصحفه السور على تاريخ نزولها، وقدم المكي على المدني، ومنهم من جعل في أول مصحفه {الْحَمْدُ} [الفاتحة:1]، ومنهم من جعل في أوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وهذا أول مصحف علي، وأما مصحف ابن مسعود فإن أوله {مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] ثم البقرة، ثم النساء على ترتيب مختلف رواه طلحة بن مُصرف، عن يحيى بن وثاب، عن علقمة، عنه.
          ومصحف أُبي كان أوله {الْحَمْدُ} ثم البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأنعام، ثم الأعراف، ثم المائدة كذلك على اختلاف شديد، وأجاب القاضي أبو بكر ابن الطيب بأنه يحتمل أن يكون ترتيب السور على ما هي عليه اليوم في المصحف على وجه الاجتهاد من الصحابة، وقد قال قوم من أهل العلم: إن تأليف السور على ما هو عليه في مُصحفنا كان عن توقيف من رسول الله لهم على ذلك وأمر به.
          وأما ما روي من اختلاف مصحف أبي وعلي وعبد الله إنما كان قبل العرض الأخير، وأنه ◙ رتب لهم تأليف السور بعد أن لم يكن فعل ذلك.
          روى يونس، عن ابن وهب قال: سمعت مالكاً يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من قراءة رسول الله صلعم ومن قال هذا القول لا يقول: إن تلاوة القرآن في الصلاة والدرس يجب أن يكون مرتباً على حسب الترتيب الموقف عليه للمصحف، بل إنما يجب تأليف سورة في الرسم والكتابة خاصة، ولا نعلم أن أحداً منهم قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة، وفي القراءة والدرس، وأنه لا يحل لأحد أن يحفظ الكهف قبل الروم، ولا الحج بعد الكهف، ألا ترى قول عائشة للذي سألها أن تريه مصحفها ليكتب مصحفاً على تأليفه: ((لا يضرك أيه قرأت قبل)).
          وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوساً، وقالا: ذلك منكوس القلب. وإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة ويبتدئ من آخرها إلى أولها؛ لأن ذلك حرام محظور، ومن الناس من يتعاطى هذا في / القرآن؛ والشعر ليذلل لسانه بذلك، ويقتدر على الحفظ، وهذا مما حظره الله في قراءة القرآن؛ لأنه إفساد لصورته ومخالفة لما قصد بها.
          ومما يدل أنه لا يجب إثبات القرآن في المصاحف على تاريخ نزوله؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لوجب أن يجعلوا بعض آية سورة في سورة أخرى، وأن ينقضوا ما وقفوا عليه من سياقة ترتيب السور ونظامها؛ لأنه قد صح وثبت أن الآيات كانت تنزل بالمدينة فيؤمر بإثباتها في السورة المكية، ويقال لهم: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا.
          وقد كان رسول الله يقرأ بالناس في الصلاة السورة في الركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.