مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم

          ░37▒ باب اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم
          فيه حديث جرير بسنده عن جندب بن عبد الله، أنه ◙ قال: ((اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم)).
          تابعه الحارث بن عبيد وسعيد بن زيد، عن أبي عمران ولم يرفعه حماد بن سلمة وأبان. وقال غندر، عن شعبة، عن أبي عمران سمعت جندباً قوله. وقال ابن عون: عن أبي عمران، عن عبد الله بن الصامت، عن عمر قوله، وجندب أصح وأكثر وقال في كتاب الاعتصام: قال يزيد بن هارون، عن هارون الأعور.
          قوله: (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم) فيه الحض على الألفة والتحذير من الفرقة في الدين، فكأنه قال ◙: اقرءوا القرآن والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا اختلفتم فقوموا عنه؛ أي: فإذا عرض عارض شبهة توجب المنازعة الداعية إلى الفرقة فقوموا عنه؛ أي: فاتركوا تلك الشبهة الداعية إلى الفرقة، وارجعوا إلى المحكم الموجب للألفة، وقوموا عن الاختلاف وعما أدى إليه وقاد إليه؛ لأنه أمرهم بترك قراءة القرآن باختلاف القراءات التي أباحها لهم؛ لأنه قال لابن مسعود اللاتي، وللرجل الذي أنكر عليه مخالفته له في القراءة: ((كلاكما محسن)) فدل أنه لم ينهه ◙ عما جعله فيه محسناً، وإنما نهاه عن الاختلاف المؤدي إلى الهلاك بالفرقة في الدين.
          وحديث النزال بن سبرة، عن عبد الله أنه سمع رجلاً يقرأ آية سمع النبي صلعم [يقرأ] خلافها، فأخذت بيده الحديث وسلف في أول الخصومات.
          قال ابن الجوزي: كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات واللغات، فأمروا بالقيام عند الاختلاف؛ لئلا يجحد أحدهم ما يقرؤه الآخر جاحداً لما نزَّل الله تعالى.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (محمد بن كثير) ضد: القليل، و(خيثمة) بفتح المعجمة والمثلثة وإسكان التحتانية ابن عبد الرحمن الكوفي، و(سويد) بضم المهملة وفتح الواو وتسكين التحتانية ابن غفلة بالمعجمة والفاء المفتوحتين، و(الأحلام) العقول.
          فإن قلت: صوابه قول خير البرية؟ قلت: هو من باب القلب أو معناه خير من قول البرية أي من كلام الله وهو المناسب للترجمة أو خير أقوال الخلق أي قول رسول الله صلعم.
          و(الرمية) بكسر الميم الخفيفة وشدة التحتانية، فعيلة بمعنى المفعول أي: الصيد المرمى مثلاً ويوم القيامة ظرف للأجر لا للقليل.
          فإن قلت: من أين دل على الجزء الثاني من الترجمة وهو التآكل به؟ قلت: لا شك أن القراءة إذا لم تكن / لله تعالى فهي للمراياة والتآكل ونحوهما.
          فإن قلت: أكل أبو سعيد الخدري بالقرآن حيث رقى بالفاتحة على اللديغ وأخذ القطيع؟ قلت: أكل لكن ما تآكل وفرق بين الأكل والتآكل أو لم يكن لجهة القراءة بل لجهة الرقية(1).
          قوله: (محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي) بفتح الفوقانية وسكون التحتانية، و(ينظر) أي: الرامي هل فيه من أثر الصيد من الدم ونحوه ولا يرى أثراً منه، و(النصل) هو حديد السهم، و(القدح) بكسر القاف السهم قبل أن يراش ويركب بنصله، و(يتمارى) أي: يشك الرامي في الفوقي بضم الفاء وهو مدخل الوتر منه هل فيه شيء من أثر الصيد يعني: نفذ السهم المرمى بحيث لم يتعلق به شيء ولم يظهر أثره فيه فكذلك قراءتهم لا يحصل لهم منها فائدة، ويحتمل أن يكون ضمير يتمارى راجعاً إلى الراوي أي: شك الراوي في أن رسول الله صلعم ذكر الفوق أم لا مر الحديث في علامات النبوة.
          قوله: (كالتمرة) بالمثناة لا بالمثلثة، و(يعمل) عطف على لا يقرأ لا على يقرأ وسبق قريباً في باب فضل القرآن.
          قوله: (أبو النعمان) محمد بن الفضل، و(حماد بن زيد) ابن درهم، و(أبو عمران) عبد الملك بن حبيب ضد: العدو (الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون، و(جندب) بضم الجيم وإسكان النون وضم المهملة وفتحها ابن عبد الله، و(سلام) بتشديد اللام ابن أبي مطيع بفاعل الإطاعة، و(الحارث بن عبيد) مصغر العبد أبو قدامة الأيادي بكسر الهمزة وبالتحتانية وبالمهملة البصري، و(سعيد بن زيد) هو أخو حماد بن زيد.
          قوله: (حماد بن سلمة) بفتح اللام ابن دينار، و(لم يرفعه) أي: جعل الحديث موقوفاً على جندب وكذلك (أبان) بفتح الهمزة وخفة الموحدة وبالنون (ابن يزيد) من الزيادة العطار.
          قوله: (سمعت جندبا) يقول: قال رسول الله صلعم الحديث المذكور، و(قال عبد الله بن عون) بفتح المهملة وبالنون هو تعليق من (خ) وكذلك (قال غندر).
          قوله: (عبد الله بن الصامت) بن جنادة بالجيم والنون والمهملة الغفاري ابن أخي أبي ذر ويروي عن عمر بن الخطاب ☺ قول رسول الله صلعم أي الحديث المتقدم وقال (خ): (والرواية عن جندب أصح إسناداً وأكثر من الرواية عن عمر) يعني: في هذا الحديث.
          الطيبي: معناه اقرؤوه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة فإذا حصل لكم ملالة فاتركوه فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور القلب.
          أقول: الظاهر أن المراد: اقرؤا ما دام بين أصحاب القراءة ائتلاف فإذا حصل اختلاف فقوموا عنه.
          قوله: (سليمان بن حرب) ضد الصلح، و(عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الهلالي، و(النزال) بفتح النون وشدة الزاي، ابن سبرة بفتح المهملة وإسكان الموحدة.
          قوله: (محسن) أي: في القراءة وقيل الإحسان راجع إلى ذلك الرجل بقراءته وإلى ابن مسعود بسماعه من رسول الله صلعم وتحريه في الاحتياط ومر في كتاب الخصومات.
          قوله: (أكثر علمي) بالمثلثة والموحدة؛ أي: غالب ظني أن رسول الله صلعم قال: ((إن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكوا)) وفي بعضها: ((فأهلكهم)) أي الله تعالى، واعلم أن الاختلاف المنهي هو الخارج عن اللغات السبع أو ما لا يكون متواتراً، وأما غيره فهو رحمة لا بأس به وذلك مثل الاختلاف بزيادة الواو ونقصانها في {قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا} [البقرة:116] / {وَقَالُواْ} بالجمع والإفراد كطي السجل للكتب والكتاب والتأنيث نحو لتحصنكم من بأسكم ولاختلاف التصريف كقوله كذاباً وكذابا بالتخفيف والتشديد ومن يقنط بالفتح والكسر والنحوي(2) نحو ذو العرش المجيد بالرفع والجر واختلاف الأدوات مثل ولكن الشياطين بتشديد النون وتخفيفها واختلاف اللغات كالإمالة والتفخيم، وقد فسر بعضهم إنزال القرآن على سبعة أحرف بهذه الوجوه من الاختلاف.
          ولنختم كتاب الفضائل بفائدة ذكرها محيي السنة قال ⌂: الصحابة جمعوا بالاتفاق القرآن بين الدفتين متواتراً من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه، وكتبوه كما سمعوه من الرسول صلعم من غير أن قدموا شيئاً أو أخروه، وكان رسول الله صلعم يعلم أصحابه الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه عليه وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في سورة كذا صلعم.
          الزركشي:
          (أو تآكل به أو فخر به) قال السفاقسي: ضبط فخر في بعض الأصول بالخاء المعجمة، وفي بعضها بالجيم، ويروى: ((راءى)) بدل: ((رايا)).
          (كما يمرق السهم من الرمية) هي الصيد الذي ترميه وينفذ فيه سهمك.
          (ويتمارى في الفوق) بضم الفاء: موضع الوتر من السهم، وقد سئل إمام الحرمين عن تكفير الخوارج فحكى خلاف الأئمة، وقد نبه النبي صلعم على وقوع هذا الخلاف بقوله: ((يمرقون من الدين))، وقال في آخر الحديث: ((ويتمارى في الفوق)).
          (ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر وريحها مر) كذا لجميعهم هنا وهو وهم، والصواب ما وقع في صدر هذا الباب وغيره: ((ولا ريح لها)).
          (ما ائتلفت عليه قلوبكم) أي: ما اجتمعت؛ أي: ولم تختلفوا فيه نهي عن الاختلاف فيه والقيام حينئذ، قيل: لعله في حروف أو معان لا يسوغ الاجتهاد.
          قال القاضي: ويحتمل أن هذا كان في زمنه صلعم بحسب سؤالهم وكشف اللبس لا غير ذلك.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (سفهاء الأحلام) السفه في الأصل الخفة والطيش وسفه فلان رأيه إذا كان مضطرباً لا استقامة له والسفيه الجاهل، والأحلام أي ذوو الألباب والعقول، واحدها حِلم بالكسر، وكأنه من الحلم الأناة والتثبت في الأمور وذلك من شعار العقلاء(3).
          قوله: (حناجرهم) الحنجرة رأس الغلصمة حيث تراه ناتئاً من خار[ج] الحلق والجمع: حناجر.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: أو كان ذلك قبل أن يقول ◙ هذا الحديث)).
[2] في هامش المخطوط: ((أي الاختلاف النحوي)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: ولشيخنا مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي مؤلف القاموس كتاب سماه الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف)).