مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: جمع القرآن

          ░3▒ باب جمع القرآن
          فيه حديثان:
          1- حديث عبيد بن السباق، السالف في آخر تفسير سورة براءة.
          2- حديث ابن شهاب، أن أنس بن مالك حدثه، أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان، وكان يغازي أهل الشام الحديث.
          ومعنى: (يغازي: يغزو)، وإرمينية: بكسر أوله وفتحه ابن السمعاني، وتخفف ياؤها وتشدد كما قاله ياقوت، وقال صاحب ((المطالع)): بالتخفيف لا غير. وقال أبو عبيد: بلد معروف سميت بكون الأرمن فيها، وهي أمة كالروم، وقيل: سميت بأرمون بن لمطي بن يومن بن يافث بن نوح. قال أبو الفرج: ومن ضم الهمزة غلط؛ قال: وهو اسم أعجمي، وأقيمت كما قال الرشاطي سنة أربع وعشرين في خلافة عثمان على يد سلمان بن ربيعة الباهلي. قال: وأهلها بنو الرومي بن إرم بن سنان بن نوح.
          وأذربيجان بفتح أوله بالقصر والمد وفتح الباء وكسرها وكسر الهمزة أيضاً، كما حكاه ابن مكي في ((تثقيفه)) بلد بالجبال من بلاد العراق تلي كور إرمينية من جهة المغرب. وقال أبو إسحاق البحتر[ي]: في الفصيح ذربيجان. وقال الجواليقي: الهمزة في أولها أصلية.
          قوله: (وقال ابن شهاب..) إلى آخره. رواه (خ) في ((الأحكام)) عن موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، به. هذا إذا لم يكن (خ) عطف على السند الذي قبله.
          فصل
          إن قلت: ما وجه نفور الصديق وزيد بن ثابت مع فضلهما عن جمع القرآن.
          قلت: بينه ابن الباقلاني بقوله: لم يجدا الشارع قد بلغ في جمعه إلى الحد من الاحتياط من تجليده وجمعه بين لوحين وكرها أن يجمعاه من أن يحلا أنفسهما / محل من يجاوز احتياطُه للدين احتياط رسول الله صلعم، فلما لم ينههما عمر وقال: هو والله خير، وخوفهما من تغير القرآن في المستقبل لقلة حفظته ومصيره إلى حالة الخفاء بعد الاستفاضة والظهور علما صواب ما أشار به وأنه خير، وأن فعل رسول الله ليس على الوجوب إلا أن يكون قد بين أن مثل فعله لما فَعَله أو تركه لمثل ما تركه لازم لنا واجب علينا، فلما علما أنه لم يحضر جمعه ولا منع منه بسنة ولا بنص آية ولا هو مما يفسده العقل ويحيله، ولا يقتضي فساد شيء من أمر الدين ولا مخالفته، رأيا صواب ما أشار به عمر وأسرعا إليه كما فعل عمر وسائر الصحابة في رجوعهم إلى رأي الصديق في قتاله أهل الردة واستصوبوه، وقد يشمئز الإنسان أحياناً من فعل المباح المطلق؛ لفرط احتياط ثم يتبين له بعد خلافه.
          فإن قلت: ما وجه جمع عثمان الناس على مصحفه وقد سبقه الصديق إلى ذلك؟ قلت: سلف في آخر سورة التوبة وجهه.
          وقد أسلفنا آخر سورة التوبة الجمع بين الروايتين آخر سورة التوبة وآية الأحزاب، وجمع المهلب بأن آية التوبة وجدت مع أبي خزيمة وهو معروف من الأنصار وقد عرفه أنس وقال: نحن ورثناه، والتي في الأحزاب ليست صفة رسول الله ووجدت مع خزيمة بن ثابت وهو غير أبي خزيمة، فلا تعارض، والقصة غير القصة، وآية الأحزاب سمعها زيد وخزيمة من رسول الله صلعم فهما شاهدان على سماعها منه. وإنما أثبت التي في التوبة بشهادة أبي خزيمة وحده لقيام الدليل على صحتها في صفته ◙، فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر.
          قال ابن بطال: في أمر عثمان بتحريق الصحف حين جمع القرآن جواز تحريق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى، وأن ذلك إكرام لها وصيانة عن الوطء بالأقدام وطرحها في ضياع من الأرض.
          وروى معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان يحرق الصحف إذا اجتمعت عنده الرسائل فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. وحرق عروة ابن الزبير كتب فقه كانت عنده يوم الحرة، وكره إبراهيم أن تحرق الصحف إذا كان فيها ذكر الله، وقول من حرقها أولى بالصواب كما قاله ابن بطال.
          وقال أبو بكر بن الطيب: جائز للإمام أن يحرق الصحف التي فيها القرآن إذا أداه الاجتهاد إلى ذلك.
          وأكثر الرواة تقوله هنا بالخاء المعجمة، ورواه المروزي بالحاء المهملة، قال ابن عطية: ورواية المهملة أحسن، ومن حرقها دفنها بعد، وهذا حكمه في ذلك الزمن، أما الآن فالغسل أولى إذا دعت الحاجة إلى إزالته(1)، وما فعله عثمان، فلاختلاط الشاذ بالمتواتر وخشية التحريف أيضاً أو الإحراق لإذهاب عينه رأساً.
          قال عياض: قد أحرق عثمان والصحابة المصاحف بعد أن غسلوا منها بالماء ما قدروا عليه.
          ونقل القرطبي عن الترمذي الحكيم أن من حرمة القرآن أن لا نتخذ الصحيفة إذا بليت ودرست وقاية للكتب، فإن ذلك جفاء عظيم ولكن يمحى بالماء، وقال الحسن البصري: لا يحرق مصحف الغال، وكان بعض السلف يستشفى بغسالته.
          قال والدي ⌂:
          قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}الآية [المائدة:48].
          و(شيبان) بفتح المعجمة وإسكان / التحتانية وبالموحدة النحوي أبو معاوية، و(يحيى) هو: ابن أبي كثير ضد القليل، و(أبو سلمة) بفتح اللام ابن عبد الرحمن بن عوف.
          و(بمكة عشرة سنين) هذا على اختلاف فيه والمشهور أنه نزل عليه بها ثلاثة عشر سنة.
          قوله: (معتمر) أخو الحاج ابن سليمان التيمي البصري، و(أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة، و(أم سلمة) بفتح المهملة واللام، هند المخزومية أم المؤمنين، و(دحية) بكسر المهملة الأولى وفتحها وتسكين الثانية وبالتحتانية، الكلبي كان يضرب بحسنه المثل ولهذا كان جبريل ◙ يتشكل بشكله.
          و(قال معتمر. قال أبي) وهو سليمان وأما (أسامة) بضم الهمزة فهو حب رسول الله صلعم ابن حب رسول الله.
          قوله: (سعيد المقبري) بضم الموحدة وفتحها، وقيل: بكسرها أيضاً، و(أبو سعيد) اسمه كيسان.
          قوله: (عليه) فإن قلت: الإيمان يستعمل بالباء وباللام لا بعلى، قلت: فيه تضمين معنى الغلبة أي: مغلوباً عليه مع أن حروف الجر تقام بعضها مقام بعض. النووي: اختلف في معناه على أقوال: أحدها أن كل نبي أعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله من الأنبياء فآمن به البشر، وأما معجزتي العظيمة الظاهرة فهي القرآن الذي لم يعط أحد مثله فلهذا أنا أكثرهم تبعاً، والثاني: أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل بسحر أو بشبهة بخلاف معجزة غيري فإنه قد يخيل الساحر بشيء مما يقارب صورتها كما خيلت السحرة في صورة عصا موسى والخيال قد يروج على بعض العوام والفرق بين المعجزة والتخييل يحتاج إلى فكر وقد يخطئ الناظر فيعتقدهما سواء، والثالث: أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ولم يشاهدها إلا من حضرها بحضرتهم ومعجزة نبينا القرآن المستمر إلى يوم القيامة.
          الطيبي: لفظ (عليه) هو حال أي: مغلوباً عليه في التحدي والمباراة؛ أي: ليس نبي إلا قد أعطاه الله تعالى من المعجزات الشيء الذي صفته أنه إذا شوهد اضطر الشاهد إلى الإيمان به وتحريره أن كل نبي اختص بما يثبت دعواه من خارق العادات بحسب زمانه كقلب العصا ثعباناً؛ لأن الغلبة في زمن موسى للسحر فأتاهم بما فوق السحر فاضطرهم إلى الإيمان به، وفي زمن عيسى الطب فجاء بما هو أعلى من الطب وهو إحياء الموتى وفي زمان رسول الله ╧ البلاغة فجاء بالقرآن، ويحتمل وجهاً خامساً وهو أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة قال تعالى: {فَأْتُواْ بِسورة مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة:23] بخلاف معجزات غيره فإنها وإن لم يكن لها مثل حقيقة يحتمل لها صورة.
          قوله: (إنما) فإن قلت: معجزة الرسول صلعم ما كانت منحصرة في القرآن؟ قلت: المراد أعظمها وأفيدها فإنه يشتمل على الدعوة والحجة وينتفع به الحاضر والغائب إلى يوم القيامة ولهذا رتب عليه، فأنا أرجو.
          قوله: (عمرو بن محمد) البغدادي، و(تابع) أي: أنزل الله تعالى الوحي متتابعاً متواتراً أكثر مما كان وذلك كان قريب وفاته.
          قوله: (جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح المهملة وضمها ابن شيبان، و(المرأة) هي زوجة أبي لهب ومر الحديث.
          قوله: (ينسخونها) أي: الصحف، و(زيد) كان أنصاريًّا، و(الثلاث الأخر) قرشيون، و(أبو نعيم) مصغر النعم، و(همام) هو ابن يحيى، و(عطاء) هو ابن أبي رباح بفتح الراء وخفة الموحدة، و(يحيى) أي: القطان، و(ابن جريج) بضم الجيم الأولى عبد الملك، و(صفوان بن يعلى) بفتح التحتانية واللام وإسكان المهملة بينهما ابن أمية بضم / الهمزة وتخفيف الميم وتشديد التحتانية، و(الجعرانة) بسكون المهملة وخفة الراء وبكسر المهملة وشدة الراء، و(التضمخ) بالمعجمتين التلطخ، و(غطيط النائم) والمخنوق نخيره. وغط البعير أي هدر في الشقشقة، و(سري) أي: كشف وأزيل عنه مر الحديث في كتاب العمرة، و(عبيد) مصغراً (ابن السباق) بفتح المهملة وشدة الموحدة الثقفي.
          قوله: (مقتل أهل اليمامة) أي: بعد قتل مسيلمة الكذاب وقتل يومئذ من القراء سبعمائة، و(استحر) أي اشتد وكثر. فإن قلت: كيف يكون فعلهم خيراً؟ قلت: يعني هو خير في زمانهم، و(العُسب) جمع العسيب وهو من السعف ما لم ينبت عليه الخوص، و(اللخاف) بكسر اللام والمعجمة، اللخفة الحجر الأبيض الرقيق، و(أبو خزيمة) مصغر الخزمة بالمعجمة والزاي، أي: ابن أوس الأنصاري، فإن قلت: شرط القرآن كونه متواتراً فكيف أثبت فيه ما لم يجده مع أحد غيره؟ قلت: معناه لم يجده مكتوباً عند غيره وأيضاً لا يلزم من عدم وجدانه أن لا يكون متواتراً وأن لا يجد غيره أو الحفاظ نسوها ثم تذكروها.
          قوله: (حذيفة) مصغر الحذفة بالمهملة والمعجمة والفاء (ابن اليمان) بفتح التحتانية وخفة الميم صاحب سر رسول الله صلعم، و(أرمينية) بفتح الهمزة وكسرها وضمها وإسكان الراء وكسر الميم وإسكان التحتانية الأولى وكسر النون وخفة التحتانية. الجوهري: هو بالكسر كورة بناحية الروم.
          و(أذربيجان) قال النووي: هو بهمزة مفتوحة ثم معجمة ساكنة ثم راء مفتوحة ثم موحدة مكسورة ثم تحتانية ساكنة ثم جيم وألف ونون على المشهور، وقال بعضهم بمد الهمزة مع فتح المعجمة وسكون الراء، أقول الأشهر عند العجم أزربايجان بالمد وبألف بين الموحدة والتحتانية وهي بلدة تبريز وقصباتها، فإن قلت: ما معنى يغازي؟ قلت: هو بمعنى يُغزي أي: كان عثمان يجهز أهل الشام وأهل العراق لغزو هاتين الناحيتين وفتحهما.
          و(الثلاث) هم عبد الله بن الزبير الأسدي وسعيد بن العاص الأموي وعبد الرحمن بن الحارث المخزومي قرشيون وزيد لم يكن قرشيًّا. فإن قلت: ما الفرق بين الصحيفة والمصحف؟ قلت: الصحيفة الكتاب والجمع صحف وأصحف؛ أي: جمع الصحف ومنه المصحف بضم الميم وكسرها.
          و(يحرق) بإهمال الحاء وإعجامها روايتان. فإن قلت: كيف جاز إحراق [القرآن]؟ قلت: المحروق هو القرآن المنسوخ والمختلط بغيره من التفسير أو بلغة غير قريش، أو القراءات الشاذة وفائدته أن لا يقع الاختلاف فيه جزاه الله أحسن الجزاء.
          قوله: (خارجة) ضد الداخلة فإن قلت: سبق أن الآية التي لم يجدها هي آخر سورة التوبة وكانت عند أبي خزيمة لا خزيمة مصغر الخزمة بالمعجمة والزاي الملقب بذي الشهادتين، قلت: الأولى كانت عند النقل من نحو العسب إلى الصحف والثانية عند النقل من الصحيفة إلى المصحف أو كانت كلتاهما مفقودتين وقد مر ثمة.
          فإن قلت: كيف ألحقها بالمصحف وشرط القرآن التواتر؟ قلت: كانت متواترة عندهم مسموعة لهم من فم رسول الله صلعم وسورتها وموضعها / معلومة لهم ففقدوا كتابتها.
          فإن قلت: لما كان القرآن متواتراً فما هذا التتبع والنظر في العسب؟ قلت: للاستظهار لا سيما وقد كتبت بين يدي رسول الله صلعم وليعلم هل فيها قراءة غير قراءته من وجوهها أم لا.
          فإن قلت: فما وجه ما اشتهر أن عثمان هو جامع القرآن؟ قلت: الصحف كانت مشتملة على جميع أحرفه ووجوهه التي نزل بها على لغة قريش وغيرهم فجرد عثمان اللغة القرشية منها وجمع الناس عليها.
          الزركشي:
          (ما من نبي من الأنبياء(2) أعطي مثل آمن عليه البشر) هو بالمد وفتح الميم.
          قال ابن قرقول: وروي «أومن» بهمزة مضمومة وبعدها واو، وهو راجع إلى معنى الإيمان، ومعناه أن الله أيد كل نبي من الآيات بما تصدق دعواه، وإنما معجزتي الظاهرة القرآن، فلم يعط أحد مثله فلهذا أنا أكثرهم تابعاً.
          قوله: (مع خزيمة أو أبي خزيمة) الصواب: ((خزيمة)) من غير شك. انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قال الذهبي في ((التجريد)): خزيمة بن أوس النجاري أخو مسعود قال موسى بن عقبة أنه بدري وهو أبو خزيمة وهو غير خزيمة بن ثابت الآتي بعد فليعلم ذلك، وقال ابن عبد البر في ((الاستيعاب)): خزيمة بن أوس بن يزيد بن أصرم أخو مسعود بن أوس بن يزيد بن أصرم، وقال في ((الكنى)): أبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم هو أخو مسعود بن أوس بن محمد به فحينئذ كما قال الذهبي الشك صحيح، فإنهما واحد خزيمة كنيته أبو خزيمة انتهى.
          قال الزركشي:
          (أفزع حذيفة ما سمع) من اختلاف ألفاظ القرآن، فإنه كان أبيح للعرب أن يقرأ كل حي بلغتهم.
          (أن يحرق) بالحاء المهملة للمروزي، وللجماعة بالمعجمة والأول أعرف، وقد روي عن الأصيلي الوجهان، ويمكن الجمع بينهما بأنه حُرق بعد التخريق، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: أبا الطيب... إلى آخره فإن قلت: أين في القرآن أنه يدل على هذا؟ قلت: المراد بالوحي ليس القرآن.
          فإن قلت: هذه الحالة التي حصلت له صلعم وهو الغطيط واحمرار الوجه والعرق أكان يحصل له إلا عند نزول القرآن؟ قلت: اللهم إلا أن يقال أنه كان يحصل له عند نزول جبريل على نحو ما كان يحصل له عند نزول القرآن أو نزلت آية في ذلك ثم نسخت والله أعلم.
          قوله: (بمكة عشر سنين) إما بالمدينة فلا خلاف فيه أنه عشر، وإما بمكة فقيل عشر فيكون عمره ستين سنة، وقيل: خمسة عشر سنة فيكون عمره خمسة وستين سنة، وقيل: ثلاثة عشر فيكون عمره ثلاثاً وستين سنة وهو الصحيح.
          ومقتل أهل اليمامة كانت في خلافة أبي بكر سنة ثنتي عشرة في ربيع الأول.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: في الغسل مندوحة عن ذلك فإن في الإحراق إهانة وفي الغسل ليس كذلك)).
[2] في المخطوط: ((الإعطاء)) ولعل الصواب ما أثبتناه.