مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف

          ░5▒ باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
          فيه حديث ابن عباس أنه ◙ قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
          وسلف في باب بدء الخلق، وأخرجه (م)، وحديث عمر مع هشام السالف في الخصومات، واستتابة المرتدين والتوحيد، وأخرجه (م) (د) (ت) (ن) وقال هنا: (فكدت أساوره في الصلاة) أي: أثب عليه، ومنه قوله: {تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص:21].
          وفيه: انقياد هشام لعمر، وكانا من أصلب الناس، كان عمر إذا كره شيئاً يقول: لا يكون هذا ما بقيت أنا وهشام بن حكيم.
          وسلف الخلاف في المراد بالأحرف السبعة، وقيل: المراد سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص والوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والأمر والنهي إلى غير ذلك. وهو خطأ؛ لأنه أشار في الحديث إلى جواز القراءة بكل حرف منها، وقد قام الإجماع أنه لا يحل إبدال آية أمثال بآية أحكام قال تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي} [يونس:15].
          وروى مالك بن وهب قال: أقرأ ابن مسعود رجلاً {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:43-44] فجعل الرجل يقول: طعام اليتيم؛ فقال له ابن مسعود: طعام الفاجر؛ فقلت لمالك: أترى أن يقرأ كذلك؟ قال: نعم، أرى ذلك واسعاً.
          وفي رواية: إن جبريل قال: يا محمد، أتقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده؛ فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف وكل شاف كاف ما لم يختم آية رحمة بآية عذاب وآية عذاب بآية رحمة.
          وعن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعاً: ((نزل القرآن على ثلاثة أحرف)) وأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً.
          واختلف في معنى قوله: ((على سبعة أحرف)) فالأكثرون كما قال المنذري أنه حصر للعدد وقيل: توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر.
          ثم اختلف في تعيينها على ما سلف، ومنهم من جعلها في صورة التلاوة، ومنهم من جعلها في الألفاظ والحروف، وذكر ابن حبان البستي فيها خمسة وثلاثين قولاً.
          وقال الطحاوي: إنما كانت السبعة للناس في الحروف؛ لعجزهم عن أخذ القرآن العظيم، على غير لغاتهم؛ لأنهم كانوا أميين لا يكتب إلا القليل منهم، فكان يشق على كل ذي لغة أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو ألزم ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظمية، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذ كان المعنى متفقاً، فكانوا كذلك حتى كثر من يكتب منهم وحتى عادت لغاتهم إلى لغات رسول الله، قال أبو عمر: فلما ارتفعت تلك الضرورة ارتفع حكم هذه الأحرف وعاد ما بدأ به القرآن حرفاً واحداً.
          قال أبو العباس: وأما القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة؛ فقد قال كثير من علمائنا كالداودي والمهلب وغيرهما: إنها ليست من الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة التي جمع عليه عثمان المصاحف، ذكره النحاس وغيره.
          قال ابن بطال: قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث، ولم أجد فيه قولاً يسلم من المعارضة.