الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر

          ░71▒ (بابٌ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ): بالذال المعجمة؛ أي: المطروح في الماء من تمر ونحوه، لتخرج حلاوته إلى الماء، وليس هو الماء المطروح فيه ما ذكر، كما قاله القسطلاني تبعاً للعيني، ولعل الحامل لهما على تفسيره بما ذكره: أن الوضوء في الحقيقة بالماء لا بالمنبوذ فيه.
          ولذا قال في (المنحة): والمراد: الماء المطروح فيه التمر أو نحوه، وفعله نبذ من باب ضرب، ولا يقال: أنبذ إلا في لغة قليلة حكاها اللحياني وثعلب؛ لكن قال في ((الصحاح)): العامة تقول: أنبذت، ومثله في ((العباب))، وأما انتبذ فلغة كثيرة جاء بها القرآن
          (وَلاَ المُسْكِرِ): وفي بعض النسخ: (ولا بالمسكر): بزيادة باء، وهو من عطف العام على الخاص، أو المراد بالنبيذ: ما لم يبلغ حد الإسكار، قاله في ((الفتح)).
          واعترضه العيني فقال: إنما يكون ذلك إذا كان المراد بالنبيذ: ما لم يصل إلى حد الإسكار، وأما إذا وصل فلا يكون من هذا الباب. انتهى.
          وقال في ((الانتقاض)): قلت: هو الذي اختلف في الوضوء به فيتخصص بالحيثية. انتهى.
          وأقول: إذا لم يصل النبيذ إلى حد الإسكار، لا يكون من عطف العام بل من المغاير؛ فإن وصل إليه كان من عطف العام على الخاص، وهذا معنى كلام ((الفتح)) كما هو ظاهر، وكأن النسخة التي وقعت للعيني سقط منها: أو المراد..إلخ، فاعترض على إطلاقه، فانقلب عليه بما لا يرضى لديه.
          وخصص النبيذ بالذكر من بين المسكرات؛ لأنه محل الخلاف في جواز التوضئ به، وأما المسكر: فهو نجس اتفاقاً
          (وَكَرِهَهُ الحَسَنُ): / أي: كره الحسن البصري الوضوء بالنبيذ؛ لكن مع صحته لما سيأتي في كلام ابن بطال عنه لا بالمسكر؛ فإنه لا يجوز اتفاقاً، وصله عنه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق من طريقين عنه بلفظ: لا تتوضأ بنبيذ؛ لكن روى أبو عبيد من طريق أخرى عنه: أنه لا بأس به، فعلى هذا كراهته للتنزيه، أو لعل له قولين، فعلى كراهة التنزيه لا يناسب الترجمة، كما قاله العيني، إلا أن يحمل: لا يجوز، على الجواز المستوي الطرفين، فافهم
          (وَأَبُو العَالِيَةِ): بعين مهملة فألف فلام فتحتية فهاء تأنيث: رُفَيْعٌ _مصغراً_ الرِّياحي _بتحتية مخففة بعد راء مكسورة_ مما وصله أبو داود بسند جيد، وأبو عبيد من طريق أبي خلدة فقال: قلت لأبي العالية: رجل أصابته جنابة، وليس عنده ماء، وعنده نبيذ أيغتسل به؟ قال: لا، وفي رواية أبي عبيد: فكرهه، وعند ابن أبي شيبة بلفظ: كره أن يغتسل بالنبيذ
          (وَقَالَ عَطَاءٌ): أي: ابن أبي رَباح براء مفتوحة فموحدة مخففة (التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ): أي: بأحدهما، ومقتضى قوله: (أحب إلي): أن الوضوء بأحد هذين جائز محبوب؛ لكن روى أبو داود أيضاً من طريق ابن جريح عن عطاء: أنه كره الوضوء بالنبيذ واللبن، وقال: إن التيمم أعجب إلي منه، والمراد باللبن المختلف فيه: ما كان مشوباً بالماء، أما اللبن الخالص: فلا يجوز التوضؤ به إجماعاً، وسيأتي آخر الباب تفصيل المذاهب في ذلك.