الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الوضوء بالمد

          ░47▒ (بَابُ الوُضُوءِ بِالمُدِّ): بضم الميم وتشديد الدال، وهو مكيال يسع رطلاً وثلثاً عند أهل الحجاز وداود، وبه قال الشافعي وفقهاء الحجاز.
          وقيل: هو رطلان بغداديان، وبه قال أبو حنيفة وفقهاء العراق، واستدلوا بما رواه ابن عدي عن جابر قال: (كان النبي صلعم يتوضأ بالمد رطلين، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال)، وبما أخرجه الدارقطني عن أنس قال: (كان رسول الله صلعم يتوضأ بمد رطلين، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال).
          وقال ابن بطال: ذهب أهل العراق إلى أن الصاع ثمانية أرطال والمد رطلان واحتجوا بما روي: (أن رسول الله صلعم كان يتوضأ برطلين ويغتسل بالصاع)، وذهب أهل المدينة إلى أن المد: ربع صاع، وهو رطل وثلث، والصاع: خمسة أرطال وثلث، وهو قول أبي يوسف، إليه رجع حين ناظره مالك في زنة المد، وأتاه بمد أبناء المهاجرين والأنصار، وراثة عن النبي صلعم بالمدينة.
          ثم اختلفوا هل يجزي الوضوء بأقل من المد والغسل بأقل من الصاع؟
          فقال قوم: لا يجزي أقل منه لورود الخبر به، وقال آخرون: ليس المد والصاع في ذلك بحتم، وإنما ذلك إخبار عن القدر الذي كان يكفيه صلعم لا أنه حد لا يجزئ دونه، وإنما قصد به التنبيه على فضيلة الاقتصاد وترك السرف، والمستحب لمن يقدر على الإسباغ بالقليل أن يقلل ولا يزيد على ذلك؛ لأن السرف ممنوع في الشريعة.