الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

          ░50▒ (بَابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ): أي: من أكل لحمها ونحوها من كل لحم مأكول، سوى الإبل ولعله يشير إلى استثناء لحومها؛ لأن من خصه من العموم كأحمد علله بشدة زهومته.
          (وَالسَّوِيقِ): أي: ممن أكله، وهو ما اتخذ من شعير / أو نحو قمح مقلي يدق حتى يكون كالدقيق إذا احتيج إلى أكله خلط بماء أو لبن أو رب أو نحو ذلك، والمشهور أن السويق: طحين الشعير والدقيق: طحين القمح، لكن في ((القاموس)) كـ((الصحاح)): الدقيق: الطحين، والسويق، معروف.
          وقال العيني: السويق _بالسين والصاد_ لغة فيه لمكان المضارعة، والجمع: أسوقة، وسمي بذلك لانسياقه في الحلق، والقطعة من السويق: سويقة. ثم فسره بما قدمناه ثم قال: وقال قوم: هو الكعك ويرده قول الشاعر:
يا حبذا الكعك بلحم مثرود                     وخشكنان مع سويق مفتود
          وقال الداودي: هو دقيق الشعير والسلت المقلي.
          وقال الكرماني في باب من مضمض من السويق: هو ما يجرش من الشعير والحنطة وغيرهما للزاد، وقد وصفه أعرابي حين عابه رجل بحضرته فقال: لا تعبه فإنه عدة المسافر وطعام العجلان، وغداء المبكر وبلغة المريض، وهو يسر فؤاد الحزين، ويرد من نفس المحرور، وجيد في التسمين، وإن شئت كان تراباً، وإن شئت كان طعاماً، وإن شئت كان ثريداً، وإن شئت كان خبيصاً.
          وفي ((الفتح)) قال ابن التين: ليس في حديثي الباب ذكر السويق.
          وأجيب: بأنه دخل من باب أولى؛ لأنه إذا لم يتوضأ من اللحم مع دسومته فمع السويق أولى، أو لعله أشار بذلك إلى حديث الباب بعده.
          واعترضه العيني فقال: إن سلمنا ما قاله فتخصيص السويق بالذكر لماذا؟ والجواب الثاني أبعد؛ لأنه عقد الباب على السويق ثانياً، فحينئذٍ لا يفيد ذكره هنا شيئاً. انتهى ملخصاً.
          وأقول: الذي في ((الانتقاض)) اعتراضاً على الأول هكذا: فالمضمضة من السويق لماذا؟ ثم قال: جواب المضمضة ظاهر لمن له أدنى فهم
          (وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ): أي: الصديق (وَعُمَرُ): أي: الفاروق (وَعُثْمَانُ): أي: ذو النورين (♥): أي: لحماً، فالمفعول محذوف (فَلَمْ يَتَوَضَّؤُوْا): سقط مفعول (أكل) من رواية أبي ذر إلا عن الكشميهني، وثبت للباقيين بلفظ: <لحماً> حتى من رواية أبي ذر عن الكشميهني، والأولى أولى؛ لأنه يعم كلما مسته النار من لحم وغيره. قال الكرماني: غرضه منه بيان الإجماع السكوني فيه. انتهى، فليتأمل.
          وقد وصل هذا التعليق الطبراني في (مسند الشاميين) بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا، وروى ابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر قال: أكلت مع رسول الله صلعم ومع أبي بكر وعمر وعثمان خبزاً ولحماً فصلوا ولم يتوضؤوا.
          وروى الطحاوي بسنده إلى جابر أنه قال: أكلنا مع أبي بكر خبزاً ولحماً ثم صلى ولم يتوضأ.
          وقال في ((الفتح)): ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعاً وموقوفاً على الثلاثة مفرقاً ومجموعاً. وقال ابن المنذر: وكان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء لا يرون الوضوء مما مست النار.