الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

بابٌ: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال

          ░19▒ (بَابٌ): بالتنوين (لَا يُمْسِكُ): بالرفع في اليونينية على أن (لا) نافية، وفي غيرها بالجزم، وفي الفرع كأصله في نسخة: (لا يمس) (ذَكَرَهُ بِيَمِيْنِهِ إِذَا بَالَ): قال في ((الفتح)): أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين الواقع في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحاً. /
          وقال بعضهم: بل يكون ممنوعاً من باب أولى؛ لأنه نهى عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة، وتعقبه ابن أبي جمرة: بأن مظنة الحاجة لا يختص بحال الاستنجاء، وإنما خص النهي بحالة البول من جهة أن مجاور الشيء يعطي حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسماً للمادة.
          ثم استدل على الإباحة بقوله صلعم لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره: (إنما هو بضعة منك) فدل على الجواز في كل حال فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة. انتهى.
          والحديث الذي أشار إليه صحيح أو حسن، وقد يقال: حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء ومن قال به اشترط فيه شروطاً، لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو حيث تتغاير مخارج الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين، فأما إذا اتحد المخرج وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف؛ لأن التقييد حينئذٍ يكون زيادة من عدل فيقبل. انتهى ما في ((الفتح)).
          واعترض العيني على قوله: أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق...إلخ، فقال: هذا كلام فيه خباط؛ لأن الحاصل من معنى الحديثين واحد، وكلاهما مقيد.
          أما الأول: فلأن إتيان الخلاء في قوله: (وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه) كناية عن التبول، والمعنى: إذا بال أحدكم فلا يمسّ ذكره بيمينه، والجزاء قيد الشرط.
          وأما الثاني: فهو صريح بالقيد وكلاهما واحد في الحقيقة، فكيف يقول هذا القائل: إن ذاك المطلق محمول على المقيد، والمفهوم منهما جميعاً النهي عن مس الذكر باليمين عند البول، فلا يدل على متعد عند غير البول ولا سيما جاء في الحديث ما يدل على الإباحة وهو قوله صلعم لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره: (إنما هو بضعة منك) فهذا يدل على الجواز في كل حال، ولكن خرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وما عدا ذلك، فقد بقي على الإباحة. فافهم. انتهى.
          وأقول: