الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مسح الرأس كله

          ░38▒ (بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ) ورواه المستملي بإسقاط: <كله>، ومراده: وجوب استيعاب الرأس بالمسح في الوضوء لكن من اكتفى بالبعض أجاب عما استدل به.
          وقال العيني: واختلف أصحاب مالك فقال أشهب: يجوز مسح بعض الرأس، وقال غيره: الثلث فصاعداً. وقال الكرماني: واعلم أن ميل البخاري إلى وجوب استيعاب مسح الرأس حيث جعل ظاهر القرآن دليلاً عليه.
          وقال البغوي: القرآن يوجب مسح الجميع، والسنة خصته بقدر الناصية فلا يسقط الفرض بأقل من قدر الناصية. ورده الكرماني: بأنا لا نسلم دلالة الآية على الاستيعاب بل تدل على عدمه، وتتبع كلام العرب يشهد لذلك؛ أي: لأنهم يقولون: مسحت المنديل: فيفيد العموم، ومسحت به: فيفيد البعض، فتأمل.
          (لِقَوْلِهِ تَعَالَى): وفي نسخة: <لقول الله تعالى> لابن عساكر: <سبحانه وتعالى>، وللأصيلي: <╡> ({وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ} [المائدة:6]) استدلاله بالآية مبني على أن الباء زائدة، كما يقول به مالك وأحمد.
          وقال في ((الفتح)): موضع الدلالة من الآية أن لفظها مجمل؛ لأنه يحتمل أن يراد بها مسح الكل، على أن الباء زائدة أو مسح البعض على أنها تبعيضية، فبين بفعل النبي أن المراد الأول.
          واعترضه العيني: بأنه لا إجمال في الآية وإنما الإجمال في المقدار دون المحل؛ لأنه الرأس، وهو معلوم وفعله صلعم كان بياناً للإجمال الذي في المقدار وهذا القائل لو علم معنى الإجمال لما قال: لفظ الآية مجمل. انتهى.
          وأقول: قد سلم هو أنه الإجمال في المقدار وهو كاف في كون الآية مجملة. فتدبر.
          وأما كون الباء زائدة، فأجاب الجمهور: بأن الأصل عدم الزيادة بل هي للتبعيض، واشترط أبو حنيفة مسح مقدار / الناصية، واكتفى الشافعي بأي بعض منه.
          (وَقَالَ ابْنُ المُسَيَّبِ): أي: سعيد (المَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ، تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا): أي: جميعه، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة بلفظ: المرأة والرجل في المسح سواء، لكنه ليس صريحاً في وجوب التعميم إلا إن ثبت عنه أنه يوجب التعميم في الرجل، فيحتمل أنهما سواء في أصل المسح، فيسلم استدلال البخاري، وفي رواية لأحمد: يكفي المرأة مسح مقدم رأسها.
          (وَسُئِلَ مَالِكٌ): السائل له: إسحاق بن عيسى بن الطباع كما رواه ابن خزيمة في ((صحيحه)) بلفظ: سألت مالكاً عن الرجل يمسح مقدم رأسه في وضوئه أيجزئه ذلك؟ فقال: حدثني عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبد الله بن زيد، قال: (مسح رسول الله صلعم وضوئه من ناصيته إلى قفاه ثم رد يديه إلى ناصيته فمسح رأسه كله)، وهذا السياق أصرح للترجمة من الذي ساقه المؤلف بقوله: (أَيُجْزِئُ): بضم التحتية وهمز آخره من الإجزاء، وهو الأداء الكافي لسقوط التعبد، وبفتحها من جزى يجزي _بلا همز_ أي: يكفي.
          قال ابن التين: قرأناه غير مهموز وضبط في بعض الكتب بالهمز وضم الياء على أنه رباعي من إجزاء
          (أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ): ولابن عساكر: <ببعض> على تعلقه بــ(يجزئ) (الرَّأْسِ؟): أي: <رأسه>كما هي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي، و(أن يمسح...إلخ): فاعل (يجزئ)، ومفعوله كفاعل (يمسح) محذوف عائد إلى المتوضئ المدلول عليه بالمقام (وَاحْتَجَّ): أي: مالك على أنه لا يجزئ مسح بعض الرأس (بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ): أي: الآتي في هذا الباب.