الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب التسمية على كل حال وعند الوقاع

          ░8▒ (بَابُ التَّسْمِيَةِ): أي: طلبها (عَلَى كُلِّ حَالٍ): أي: من طهارة وعدمها في الوضوء وفي غيره، إذا كان المسمى عليه أمراً ذا بال، وليس محرماً ولا مكروهاً ولا ذكراً محضاً ولم يجعل الشارع له مبدأً مخصوصاً (وَعِنْدَ الوِقَاعِ): بكسر الواو مصدر، واقع الرجل امرأته: جامعها، وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام اهتماماً به؛ ولأنه المذكور في الباب.
          قال في ((المصابيح)): مقصوده: الرد على من قال: لا يذكر الله إلا على طهارة، وعلى من كره ذلك في حالتين: عند الخلاء والوِقاع، كما ذهب إليه ابن عباس وعطاء ومجاهد. انتهى.
          وحديث الباب يدل على الأولى بالأولى، وكذا قال في ((الفتح)): وليس العموم ظاهراً من الحديث الذي أورده لكن قد يستفاد من باب الأولى؛ لأنه إذا شرع في حالة الجماع، وهي مما أمر فيه بالصمت فغيره أولى، وفيه إشارة إلى تضعيف ما ورد من كراهة ذكر الله في حالين: الخلاء والوقاع، لكن على تقدير صحته لا ينافي حديث الباب؛ لأنه يحمل على إرادة الجماع كما سيأتي في الطريق الأخرى، ويؤيد ما أطلقه المصنف ما رواه ابن أبي شيبة من طريق علقمة: أن ابن مسعود كان إذا غشي أهله فأنزل قال: (اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيباً). انتهى.
          وأقول: اعترضه العيني فقال: ليت شعري ما معنى هذا الكلام؟ فمن تأمل كلامه وجده في غاية الوهاء. انتهى، فليتأمل.
          وأقول: قال في ((الانتقاض)): كذا قال، فليتأمله العالم ويحكم بينهما بطريق الإنصاف.
          ولم يورد المؤلف حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، وفي رواية: (لمن لم يسم الله) مع كونه أبلغ في الدلالة لكونه ليس على شرطه بل هو مطعون فيه وإن صححه الحاكم.
          وقال أحمد: لا أعلم في التسمية حديثاً ثابتاً، وبفرض صحته فهو محمول على الكامل كحديث: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد).
          وأصح ما في التسمية ما احتج به البيهقي في ((المعرفة)) من حديث أنس: أن رسول الله وضع يده في الإناء الذي فيه الماء وقال: (توضؤا بسم الله)، الحديث.
          ويقرب منه حديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله) وقد ذكرنا طرقه أوائل الشرح.