نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: وقت النبي قرنًا لأهل نجد

          7344- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) أبو أحمد البخاريُّ البِيْكَندي، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو: ابن عُيينة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) المدنيِّ (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) ☻ ، أنَّه قال: (وَقَّتَ) بتشديد القاف؛ أي: عيَّن الميقات (النَّبِيُّ صلعم ) أي: جعل حدًّا يُحرَم منه ولا يُتجاوز، أو من الوقت على بابه؛ يعني: أنَّه علَّق الإحرام بالوقت الَّذي يكون فيه الشَّخص في هذه الأمكنة، فعيَّنَ (قَرْناً) بفتح القاف وسكون الراء. وقال الجوهريُّ: هو بفتحها على مرحلتين بمكَّة، ويروى: <قرنَ> باعتبار أنَّه غير منصرف، أو باعتبار اللُّغة الربيعيَّة.
          (لأَهْلِ نَجْدٍ) بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة، وهو ما ارتفع من تهامة إلى أرضِ العراق (وَ) عَيَّن (الْجُحْفَةَ) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وبالفاء، قريةٌ على خمس أو ستِّ مراحل من مكَّة (لأَهْلِ الشَّأْمِ) زاد النَّسائي: ((ومصر)).
          (وَ) عَيَّن (ذَا الْحُلَيْفَةِ) بضم الحاء المهملة وبالفاء مصغَّراً، كان بينه وبين مكَّة مائتا ميلٍ غير ميلين، وبين المدينة ستَّة أميال (لأَهْلِ الْمَدِينَةِ) النَّبويَّة للغلبة عليها، كالعقبةِ لعقبة الأيلة، والبيت للكعبة (قَالَ) أي: ابن عمرَ ☻ (سَمِعْتُ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ صلعم ، وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) بفتح التحتية واللامين وسكون الميم الأولى، جبلٌ من جبال تهامة على ليلتين من مكَّة، والياء فيه بدلٌ من همزة. فإن قيل: هذا روايةٌ عن مجهولٍ. فالجواب: أنَّه لا قدح فيه؛ لأنَّه إنَّما يَروي عن صحابيٍّ آخر، والصَّحابة كلُّهم عدولٌ.
          (وَذُكِرَ الْعِرَاقُ) بضم الذال على البناء للمفعول (فَقَالَ) أي: ابن عمرَ ☻ (لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ) يعني: لم يكن / أهل العراق في ذلك الوقت مسلمين حتَّى يُوقِّت لهم صلعم ميقاتاً، وكانت العراق يومئذٍ بأيدي كسرى وعُمَّاله من الفُرس والعرب.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: ويعكِّر على هذا الجواب ذِكْرُ أهل الشَّام، فلعلَّ مراد ابن عمر ☻ نفي العراقين، وهما المصران المشهوران الكوفة والبَصرة، وكلٌّ منهما إنَّما صار مصراً جامعاً بعد فتح المسلمين بلاد فارس. انتهى.
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّه كلامٌ واهٍ؛ لأنَّ [ابن] عمر ☺ يقول: «وقَّت النَّبيُّ صلعم » ففي ذلك الوقت لم يكن اسم الكوفة، ولا اسم البصرة مذكوراً، ولم يقل أحدٌ أنَّ في العراق بلدين الكوفة والبصرة، وإنَّما تَمَصَّرتا في أيَّام عمر بن الخطَّاب ☺.
          والجواب عن قوله: «ويعكِّر... إلى آخره»، أنَّ الحجَّ فُرِضَ في سنة ستٍّ من الهجرة كما قرَّره الشَّافعي، فلهذا ذهب إلى أنَّه للتَّراخي؛ لأنَّه صلعم لم يحجَّ إلَّا في سنة عشرٍ وبينهما أربع سنين، وفي هذه المدَّة دخل ناسٌ في الإسلام من القاطنين فيما وراء المدينة من ناحية الشَّام، وتوقيتُ النَّبيِّ صلعم المواقيت كان في زمن حجِّه.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ، وقد مضى الحديث في أوائل «الحجِّ» [خ¦1522].