نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: اللهم بارك لهم في مكيالهم

          7331- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ (عَنْ مَالِكٍ) الإمام (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ) أي: زِد (لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ؛ يَعْنِي) صلعم (أَهْلَ الْمَدِينَةِ).
          قال القاضي عياض: يحتمل أن تكون هذه البركة دينيَّة، وهي ممَّا يتعلَّق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزَّكاة والكفَّارات، وأن تكون دنيويَّة من تكثير المال والقَدْر بها حتَّى يكفي منها ما لا يكفي في غيرها، أو ترجع البركة في التَّصرف بها في التِّجارة وأرباحها، وإلى كثرة ما يُكال بها من غَلَّاتها وأثمارها، أو لاتِّساع عيش أهلها بعد ضيقه لِمَا فتح الله عليهم، ووسَّع من فضله لهم بتمليك البلاد الخصب والرِّيف بالشَّام والعراق وغيرهما، حتَّى كثر الحَمْلُ [إلى المدينة]، وفي هذا كلُّه ظهور إجابة دعوته صلعم وقبولها. انتهى.
          ورجَّح النَّووي كونها في نفس الكيل بالمدينة بحيث يكفي المُدُّ فيها لمن لا يكفيهِ في غيرها.
          وقال الطِّيبي: ولعلَّ الظَّاهر هو قول القاضي: أو لاتِّساع عيش أهلها... إلى آخره؛ لأنَّه صلعم قال: ((وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لمكَّة)) ودعاء إبراهيم ◙ هو قوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37].
          يعني: وارزقهم من الثَّمرات بأن تجلبَ إليهم من البلاد لعلَّهم يشكرون النِّعمة في أن يرزقوا أنواع الثَّمرات في وادٍ ليس فيه لحمٌ، ولا شجرٌ، ولا ماء.
          ولا جرم أنَّ الله تعالى / أجابَ دعوته، فجعله حرماً آمناً يُجبى إليه ثمراتُ كلِّ شيءٍ رزقاً من لدنه، ولعمري إنَّ دعاء حبيب الله صلعم استُجيب له، وضاعفَ خيرها على خيرِ غيرها بأن جلبَ إليها زمن الخلفاء الرَّاشدين رضوان الله عليهم أجمعين من مشارق الأرض ومَغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يُحصى ولا يُحصر، وفي آخر الأمر يأزر الدِّين إليها من أقاصي الأراضي، وشاسع البلاد.
          وينصر هذا التَّأويل قوله في حديث أبي هريرة ☺: ((أُمرت بقريةٍ تأكلُ القرى)) ومكَّة أيضاً من مأكولها. انتهى.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة كالَّذي قبله، وقد سبق الحديث في «البُيوع» [خ¦2130]، و«الكفَّارات» [خ¦6714]، وأخرجه مسلم والنَّسائي.