نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ

          ░20▒ (باب إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ) بتقديم الميم على اللام؛ أي: عامل الزَّكاة ونحوه، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني: <العالم> بتأخيره؛ أي: المفتي (أَوِ الْحَاكِمُ، فَأَخْطَأَ خِلاَفَ) شرع (الرَّسُولِ) صلعم ؛ أي: مخالفاً لحكم سنَّته في أخذ واجب الزَّكاة، أو في قضائه، و«أو» للتَّنويع (مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ) أي: لم يتعمَّد المخالفة، وإنَّما خالفَ خطأ (فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ) لا يعمل به (لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ) أي: مردودٌ، وصله مسلم، وكذا سبق في «الصُّلح» [خ¦34/60-3350] لكن بلفظٍ آخر. واستشكل قوله: ((فأخطأ خلاف الرَّسول))؛ لأنَّ ظاهره منافٍ للمراد؛ لأنَّ من أخطأ خلاف الرَّسول لا يُذمُّ بخلاف من أخطأ وفاقه.
          قال الكرمانيُّ: وحاصله: أنَّ من حكم بغير السُّنة، ثمَّ تبيَّن له أنَّ السُّنة خلاف حكمهِ وجبَ عليه الرُّجوع عنه إليها، وهو الاعتصام بالسُّنة. ثمَّ قال: وفي التَّرجمة نوعُ تعجرفٍ، كأنَّه أشار بذلك إلى ما ذكر من أنَّ قوله: ((فأخطأَ خلاف الرَّسول)) ينافي المراد.
          وأجاب عنه الحافظ العسقلانيُّ: بأنَّ الكلام تمَّ عند قوله: ((فأخطأ))، وهو يتعلَّق بقوله: ((اجتهد)) وقوله: ((خلاف الرَّسول)) أي: فقال خلاف الرَّسول، وحَذْفُ «قالَ» في الكلام كثيرٌ، فأيُّ عجرفةٍ في هذا؟!
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ فيما قاله عجرفةٌ أكثر ممَّا قاله الكرماني؛ لأنَّ تقديره بقوله: فقال خلاف الرَّسول يكون عطفاً على «أخطأ»، فيؤدِّي إلى نفي المقصود الَّذي ذُكِر الآن، وفي تعقُّبه نظرٌ لا يخفى. ووجد بخطِّ الدِّمياطي في «حاشية نسخته» الصَّواب: ((فأخطأ بخلاف الرَّسول)).
          قال الحافظ العسقلانيُّ: وليس دعوى حذف الباء برافع للإشكال، بل إن سلك طريق التَّغيير بأن تكون اللام متأخِّرة، ويكون الأصل: خالف بدل «خلاف» لكان وجهاً.
          وقال ابن بطَّال: مراده: أنَّ من حكمَ بغير السُّنة جهلاً أو غلطاً يجب عليه الرُّجوع إلى حكم السُّنة، وترك ما خالفها امتثالاً لأمر الله تعالى بإيجاب طاعة رسوله، وهذا هو نفس الاعتصام بالسُّنة.