نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها.

          7322- (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هو: ابنُ أبي أويسٍ، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابن عَمرو بن حرامٍ _بمهملة وراء_ (السَّلَمِيِّ) بفتحتين، الأنصاريِّ الصَّحابي ابن الصَّحابي، غزا تسع عشرةَ غزوةٍ ☻ (أَنَّ أَعْرَابِيّاً) قيل: اسمه قيس بن أبي حازمٍ، ورد: بأنَّه تابعيٌّ كبيرٌ لا صحابيٌّ، أو هو قيسُ بن حازم المِنْقري الصَّحابي (بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلعم عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَ الأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ) بفتح الواو وسكون العين، حمى (بِالْمَدِينَةِ، فَجَاءَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم ) وسقط قوله: «إلى» في رواية الكُشميهني، «فرسولَ الله» نصب على ما لا يخفى (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقِلْنِي بَيْعَتِي) على الهجرة، أو منَ المقام بالمدينة (فَأَبَى) بالموحدة؛ أي: امتنع (رَسُولُ اللَّهِ صلعم ) أن يُقيلهُ (ثُمَّ جَاءَهُ) مرَّةً ثانيةً (فَقَالَ): يا رسول الله (أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى) أن يقيله (ثُمَّ جَاءَهُ) الثَّالثة (فَقَالَ): يا رسول الله (أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِيُّ) من المدينة إلى البدو.
          (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ) الَّذي يُنفخ به النَّار؛ أي المواضع المشتمل عليها (تَنْفِي خَبَثَهَا) بفتح التاء وسكون النون وكسر الفاء، و«خَبَثَها» _بفتح المعجمة والموحدة والمثلثة_ ما يُثيره من الوسخ (وَيَنْصَعُ) بالتحتية وسكون النون بعدها صاد فعين مهملة؛ أي: ويخلص (طِيبُهَا) بكسر الطاء والتخفيف والرفع. وفي رواية أبي ذرٍّ: <وتنصع> بالفوقية <طِيبَها> بالنصب على المفعولية، كذا في الفرع كأصله. و«طِيبها»: بالتخفيف وكسر أوله في الرِّوايتين، وبه ضبط القزاز، لكنَّه استشكله قال: لم أرَ في التَّصريح في الطِّيْبِ ذكراً، وإنَّما الكلام في ((يتضوَّع)) بالضاد المعجمة، وزيادة الواو الثَّقيلة.
          قال ابن عبد البرِّ: إنَّ الحديث دالٌّ على فضل المدينة، ولكن ليس الوصف المذكور عامًّا لها في جميع الأزمنة، بل هو خاصٌّ بزمن النَّبي صلعم ؛ لأنَّه لم يكن يخرجُ منها رغبةً عن الإقامة معه إلَّا من لا خير فيه.
          وقال القاضي عياض نحوه، وأيَّده بحديث أبي هريرة ☺ الَّذي أخرجه مسلم: ((لا تقوم السَّاعة حتَّى تنفيَ المدينة شرارها، كما ينفي الكيرُ خبَث الفضَّة)). قال: والنار إنَّما تُخرج الخبث والرَّديء.
          وقد خرج من المدينة بعد النَّبي صلعم جماعةٌ من خيار الصَّحابة وقطنوا غيرها، وماتوا خارجاً عنها كابن مسعودٍ وأبي موسى وعلي وأبي ذرٍّ وعمار وحذيفة وعبادة بن الصَّامت وأبي عبيدة ومعاذ وأبي الدرداء وغيرهم ♥ ؛ فدل على أن ذلك خاص بزمن النَّبي صلعم بالقيد المذكور، ثمَّ يقعُ تمام إخراج الرَّديء منها في زمن محاصرة الدَّجَّال، كما تقدَّم بيان ذلك في أواخر «كتاب الفتن» [خ¦7124]، وفيه: ((فلا يبقى منافقٌ ولا منافقةٌ إلَّا خرج إليه فذلك يوم الخلاص)).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة من حيث الفضيلة الَّتي اشتمل على ذكرها كلٌّ منهما.
          وقد مضى الحديث في «الأحكام»، في «باب: مَن بايع ثمَّ استقال البيعة» [خ¦7211].