نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول النبي: «بعثت بجوامع الكلم»

          ░1▒ (باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم ) في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى [خ¦7273]: (بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ) روى العسكري في «الأمثال» من طريق سُليمان بن عبد الله النَّوفلي، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((أوتيت جوامعَ الكلم، واختصر لي الكلام اختصاراً)). وهو مرسلٌ، وفي سنده مَن لم أعرفه. وفي الدَّيلمي بلا سندٍ: عن ابن عبَّاسٍ ☻ مرفوعاً مثله، لكن بلفظ: ((أُعطيت الحديث)) بدل «الكَلِم». وعند البيهقيِّ في «الشعب» نحوه. فكلُّ كلمةٍ يسيرةٍ جمعت معانٍ كثيرةٍ، فهي من جوامع الكلم.
          والاختصار: هو الاقتصار على ما يدلُّ على الغرض مع حذفٍ أو إضمارٍ، والعرب لا يحذفون ما لا دَلالة عليه، ولا وصلةَ إليه؛ لأنَّ حذف ما لا دَلالة عليه منافٍ لغرضِ وَضْعِ الكلام من الإفادة والإفهامِ.
          وفائدة الحديث: تقليل الكلامِ، / وتقريب معانيهِ إلى الأفهام.
          والحذف أنواع:
          أحدها: حذفُ المضافات، وله أمثلةٌ كثيرةٌ: منها: نسبة التَّحليل والتَّحريم، والكراهة والإيجاب، والاستحباب إلى الأعيانِ، فهو من مجاز الحذف؛ إذ لا يتصوَّر تعلُّق الطَّلب بالأجرام، وإنَّما تطلب أفعال تتعلَّق بها، فتحريم الميتة تحريمٌ لأكلها، وتحريم الخمر تحريمٌ لشربها.
          وأدلَّة الحذف أنواع: منها: ما يدلُّ العقلُ على حذفه، والمقصود الأعظم [يرشد إلى] تعيينهُ. وله مثالان:
          أحدهما: قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3].
          الثَّاني: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء:23].
          فإنَّ العقل يدلُّ على الحذف؛ إذ لا يصحُّ تحريم الأجرام، والمقصود الأظهر يُرشد إلى أنَّ التَّقدير: حرَّم عليكم أكل الميتة، حِرَّم عليكم نكاح أمَّهاتكم. وللشَّيخ عز الدِّين بن عبد السَّلام «مجاز القرآن» فصَّل فيه ما يتعلَّق بذلك.