نجاح القاري لصحيح البخاري

باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة

          ░15▒ (باب إِثْمِ مَنْ دَعَا) النَّاس (إِلَى ضَلاَلَةٍ) أي: كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعَه فيها، وقد ورد بذلك حديث أبي هريرة ☺ قال: قال رسولُ الله صلعم : ((من دعا إلى هدى كان له من الأجرِ مثل أجور من تبعه لا ينقصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا يُنقص ذلك من آثارهم شيئاً)). أخرجه مسلم وأبو داود والتِّرمذي.
          (أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً) كذلك ورد حديث أخرجه مسلم، عن جرير بن عبد الله البجليِّ وهو حديثٌ طويلٌ، وفيه: قال رسول الله صلعم : ((من سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقصَ من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيئةً كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها بعده من غير أن ينقصَ من أوزارهم شيئاً)). وأخرجه من طريق المنذر بن جريرٍ، عن أبيه مثله، لكن قال: ((شيء)) في الموضعين بالرَّفع. وأخرجه التِّرمذي من وجهٍ آخر عن جرير بلفظ: ((من سنَّ سنَّة خيرٍ، ومن سنَّ سنَّة شرٍّ)).
          (لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} الآيَةَ) وأوَّلها: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} [النحل:25] واللام في: {لِيَحْمِلُوا} للتَّعليل متعلِّق بـ{قالوا} في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النحل:24].
          وقوله: {لَهُمْ} أي: لهؤلاء الكفَّار، و{أساطير الأولين}؛ أي: أحاديث الأوَّلين وأباطيلهم؛ أي: قالوا ذلك إضلالاً للنَّاس فحملوا أوزار ضلالهم كاملةً، وبعض أوزار من ضلَّ بضلالهم؛ لأنَّ المُضِلَّ والضَّال شريكان.
          قال مجاهد: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب / مَن أطاعهم، ولا يخفِّف ذلك عمَّن أطاعهم شيئاً. وقد ثبت قوله: <بغير علمٍ> في رواية أبي ذرٍّ، وسقط في روايته قوله: «الآية».