إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها

          5173- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ)‼ التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا). قال في «الفتح»: أي: فليأتِ مكانها، والتَّقدير: إذا دُعِي إلى مكانِ الوليمةِ فليأتها، ولا يضرُّ إعادةُ الضَّمير مؤنثًا، والأمرُ للإيجابِ، والمراد: وليمةُ العرسِ لأنَّها المعهودةُ عندهم، ويؤيِّده ما في مسلم أيضًا: «إذا دُعي أحدُكُم إلى وليمةِ عرسٍ فليُجِب» وتكون فرضَ عينٍ إن لم يرضَ صاحبها بعُذرِ المدعوِّ، وفي غيرها مستحبَّةً، لكن في «سنن أبي داود»: «إذا دَعا أحدكُم أخاهُ فليُجبْ، عُرسًا كان أو غيره» وقضيَّته وجوب الإجابة في سائرِ الولائم، وبه أجاب جمهور العراقيين كما قاله الزَّركشيُّ، واختاره السُّبكيُّ وغيره، ويؤيِّد عدم وجوبِها في غير العرسِ: أنَّ عثمانَ(1) بنَ أبي(2) العاصِ دُعي إلى ختانٍ فلم يجب، وقال: لم يكن يُدعى له على عهد رسول الله صلعم . رواه أحمد في «مسنده»، وإنما تجبُ / الإجابةُ أو تستحبُّ بشروطٍ؛ منها: أن يكون الدَّاعي مسلمًا، فلو كان كافرًا لم تجب إجابتهُ لانتفاءِ طلب المودَّةِ معه، ولأنَّه يستقذرُ طعامه لاحتمالِ نجاستِه وفسادِ تصرُّفه، وأن لا يخصَّ بالدَّعوةِ الأغنياءَ ولا غيرهم، بل يعمُّ عشيرتهُ، أو جيرانَهُ، أو أهل حرفتهِ، وإن كانوا كلُّهم أغنياءَ لحديث: «شرُّ الطَّعام...» [خ¦5177] الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى. وليس المراد أن يعُمَّ جميع النَّاس لتعذره، وأن(3) لا يطلبهُ طمعًا في جاههِ أو خوفًا منه لو لم يحضرهُ بل للتَّودُّد، وأن يُعيِّن المدعوَّ بنفسهِ أو نائبه، لا إن نادى في النَّاس، كأن فتح الباب وقال: ليحضُر من أرادَ، أو قال لغيرهِ: ادعُ من شئتَ، وأن يدعو في اليوم الأوَّل، فلو أولمَ ثلاثة أيَّام فأكثرَ، لم تجب الإجابةُ أو تسنُّ إلَّا في اليوم الأوَّلِ. فلو لم يمكنه استيعابُ النَّاس في اليوم(4) الأوَّل لكثرتِهم، أو لصغرِ منزله أو غيرهما قال الأذرعيُّ: فذلك في الحقيقةِ كوليمةٍ واحدةٍ دُعي النَّاس إليها أفواجًا أفواجًا في يومٍ واحد. ويشترط أيضًا أن لا يحضر هناك من يؤذي المدعوَّ، أو تقبح مجالستهُ كالأراذلِ، وأن لا يكون هناك منكرٌ، كفرشِ الحريرِ، وصور الحيوان المرفوعةِ.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «النِّكاح» [خ¦5177] وأبو داود في «الأطعمة»، والنَّسائيُّ في «الوليمةِ».


[1] في (م) و(د): «عمرو».
[2] قوله: «أبي» زيادة من «فتح الباري» (10/ 343).
[3] في (م): «إن كان».
[4] «اليوم»: ليست في (د) و(س).