إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب نكاح المحرم

          ░30▒ (بابُ نِكَاحِ المُحْرِمِ) بالحجِّ أو العمرة أو بهما هل يجوز أم لا؟ والَّذي ذهب إليه الشَّافعيَّة(1) الثَّاني، سواءٌ كان الإحرامُ صحيحًا أو(2) فاسدًا لحديث مسلمٍ عن أبان بنِ عثمانَ ابنِ عفَّان، عن أبيه مرفوعًا: «المحرمُ لا ينكِحُ ولا يُنكح» فيبطلُ النِّكاح بإحرام أحد الزَّوجين، أو العاقدين من وليٍّ ولو حاكمًا، وتنتقلُ الولايةُ للحاكم لا للأبعدِ؛ إذ الإحرامُ لا يسلبُ الولاية لبقاء الرُّشد والنَّظر، وإنَّما يمنع النِّكاح كما يمنعه إحرامُ الزَّوج والزَّوجة، ولو أحرم الوليُّ أو الزَّوج فعقدَ وكيله الحلال لم يصحَّ لأنَّ الوكيل سفيرٌ(3) محضٌ، فكان كالعاقد الموكَّل، ولو أحرمَ السُّلطان أو القاضي فلخلفائه أن يزوِّجوهُ لأنَّ تصرفهم بالولايةِ لا بالوكالةِ كما جزم به الخفَّاف وصحَّحه الرُّوياني، وقيل: هذا في السُّلطان لا في القاضي لأنَّ خلفاءه لا ينعزلون بموتهِ وانعزالهِ، بخلاف خلفاءِ القاضِي، ويصحُّ بشهادةِ المحرم لأنَّه ليس بعاقدٍ ولا معقودٍ، ولو راجعَ امرأتهُ وهو محرمٌ صحَّ لأنَّها استدامةٌ كالإمساكِ في دوام النِّكاح لا ابتداء عقد، وفي انعقادِ النِّكاح ابتداءً من المحرمِ / بين التَّحلُّلين قولان صحَّح الرَّافعيُّ الصِّحَّة لأنَّه من المحرَّمات الَّتي لا توجب تعاطِيها إفسادًا، فأشبهَتِ الحلق، وصحَّح النَّوويُّ البطلان لأنَّه محرمٌ، وقال الحنفيَّةُ: يجوز تزويج المُحرِم والمُحرِمة حالةَ الإحرام دون الوطءِ، ولو كان المزوِّج لها مُحْرِمًا، قالوا: وهو قولُ ابن مسعود وابن عبَّاسٍ وأنسِ بنِ مالكٍ، وجمهور التَّابعين؛ إذ هو عقدُ معاوضةٍ، والمُحْرِم غير ممنوعٍ منه كشراء الجارية للتَّسري، ولو جعل عقد النِّكاح بمنزلةِ ما هو المقصود به وهو الوطء لكان تأثيرُه في إيجابِ الجزاء أو فسادِ الإحرامِ لا في بطلان النِّكاح، وحديث عثمان ضعيفٌ قاله البخاريُّ(4) لأنَّ في إسناده نُبَيْه(5) بن وهبٍ، ولا يلزم حُجَّةً، ولئن صحَّ فهو محمولٌ على الوطء لأنَّه الحقيقةُ، أي: لا يطأُ المحرمُ، واستدلُّوا لذلك بحديث البابِ، وهو ما رويناه بالسَّند إلى البخاريِّ، قال:


[1] في (ص): «الشافعي».
[2] في (ب) و(ص): «أم».
[3] في (س): «سفر».
[4] قوله: «قاله البخاري»: ليس في (د).
[5] في (د): «منبه». ونبَّه الشيخ قطة ☼ على أنه تصحيف.