إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب تزويج اليتيمة

          ░43▒ (بابُ تَزْوِيجِ اليَتِيمَةِ) الَّتي مات أبوها ولم تبلُغ (لِقَوْلِهِ) تعالى: ({وَإِنْ}) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”فإن“ ({خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى}) الَّذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم، واليُتْم: الانفراد ({فَانكِحُواْ}[النساء:3]) الآية.
          قال في «الكشاف»: فإن قلتَ: كيف جمع اليتيم _وهو: فعيلٌ كمريض_ على يتامى؟ قلتُ: فيه وجهان: أنْ يجمعَ على يَتْمى كأَسْرى؛ لأنَّ اليُتم من وادِي الآفات والأوجاع، ثمَّ يجمع فعلى على فعالى كأسارى، ويجوز أن يجمع على فعائل لجري اليتيم مجرى الأسماء؛ نحو صاحب وفارس، فيقال: يتائم، ثمَّ يتامى على القلبِ، وحقُّ هذا الاسم أن يقع على الصِّغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء، إلَّا أنَّه قد غلب أن يسمَّوا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرِّجال، فإذا استغنوا بأنفسهم عن قائمٍ عليهم، وانتصبوا كفاةً يكفلون غيرهم ويقومون عليهم زال عنهم هذا الاسم، وأمَّا قوله ╕ : «لا يتمَ بعد الحلم» فما هو إلَّا تعليم شريعة لا لغة؛ يعني: إذا احتلم لم(1) تجر عليه أحكام الصِّغار. انتهى.
          (إِذَا قَالَ) الخاطبُ (لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي) مُولِّيتك (فُلَانَةَ. فَمَكُـَثَ سَاعَةً) بضم الكاف وفتحها، ثم زوجه(2) (أَوْ قَالَ) الوليُّ للخاطب‼: (مَا مَعَكَ) تُمهرها إيَّاه؟ (فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا) أو تخلل كلام نحو ذلك بين الإيجاب والقبول (أَوْ لَبِثَا) كلاهما بعد قوله للوليِّ(3) / : زوِّجني (ثُمَّ قَالَ) الوليُّ: (زَوَّجْتُكَهَا؛ فَهْوَ جَائِزٌ) في الصُّور الثَّلاث، ولا يضرُّ ذلك لاتِّحاد المجلس.
          (فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) يعني: في قصَّة الواهبة السَّابقة مرارًا [خ¦5126] لكن في استخراج الحكم المذكور منها(4) نظرٌ لأنَّها واقعةُ عين يطرقها احتمالُ أن يكون قَبِلَ عَقِب الإيجاب، ومذهب الشَّافعيَّة اشتراط القبول فورًا، فلا يضير فصلٌ يسير، فلو حمدَ الله، وصلى على النَّبيِّ صلعم ، وأوصى بتقوى الله، ثمَّ قال: زوَّجتك فلانةً، فقال الزَّوج: الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأوصى بتقوى الله(5) ثمَّ قَبِلَ النكاح صَحَّ، ولا يضرُّ هذا الفصل لأنَّ المتخلِّل مقدِّمة القبول فلا يقطعُ الموالاة بينهما، والخطبة من الأجنبيِّ كهي ممَّن(6) ذكر فيحصل بها الاستحباب ويصحُّ معها العقدُ، فإن طال الذِّكر الفاصل بين القبولِ والإيجاب، أو تخلَّل بينهما كلام يسيرٌ أجنبيٌّ عن العقد لم يتعلَّق به ولم يُستَحَب بطلَ العقدُ لإشعاره بالإعراض.


[1] في (ص): «لا».
[2] قوله: «ثم زوجه» ليس في (د).
[3] «للولي»: ليست في (ص).
[4] في (م) و(ص): «منه».
[5] قوله: «بتقوى الله» ليس في (د) و(ص) و(م).
[6] في (م): «عن».