إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما يحل من النساء وما يحرم

          ░24▒ (بابُ مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ) منهنَّ (وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}) أي: نكاحُ أمَّهاتِكم فهو من مجازِ الحذفِ الَّذي دلَّ العقلُ على حذفهِ ({وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ}[النساء:23] إِلَى آخِرِ الآية) وساق في روايةِ كريمةَ إلى قوله: ”{وَأَخَوَاتُكُمْ}“ وقال: ”الآيتين إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}“ والأمَّهاتُ: كلُّ أنثى ولدتكَ أو ولدَت مَنْ وَلَدَكَ(1)، ذكرًا كان أو أنثى، بواسطةٍ أو بغيرها. والبناتُ: كلُّ أنثَى ولدْتَها أو وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا، ذَكرًا كانَ أو أنثى، بواسطةٍ أو بغيرها(2). والأخواتُ: كلُّ أُنثى وَلَدَهَا أبواكَ(3) أو أحدُهما. والعمَّاتُ: كلُّ أختِ ذكرٍ وَلَدَكَ بواسطةٍ وبغيرها(4). والخالاتُ: كلُّ أختِ أنثى وَلَدَتْكَ بواسطةٍ أو بغيرها، فأختُ أبي الأمِّ عمَّةٌ لأنَّها أختُ ذكرٍ ولدك بواسطةٍ، وأختُ أمِّ الأبِ خالةٌ لأنَّها أختُ أنثى ولدتك بواسطةٍ، وبناتُ الأخِ وبناتُ الأختِ وإن بعدنَ، لا من دخلَت في اسمِ ولد العمومةِ والخؤولةِ فلا تحرمُ.
          (وَقَالَ أَنَسٌ) أي: ابنُ مالك ممَّا وَصلهُ إسماعيل القاضِي في كتابه «أحكام القرآن» بإسنادٍ صحيحٍ من طريق سليمان التَّيميِّ، عن أبي مجلزٍ، عن أنسِ بن مالك أنَّه قال في قوله تعالى: ({وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء}[النساء:24]) أي: (ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ) لأنَّهن(5) أحصنَّ فروجهنَّ بالتَّزويج (الحَرَائِرُ حَرَامٌ)‼ نكاحهنَّ، إلَّا بعد طلاقِ أزواجهنَّ وانقضاءِ عدَّتهنَّ ({إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:24] لَا يَرَى) بها (بَأْسًا) حَرجًا (أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ) وفي نسخةٍ: ”أن يزوِّج الرَّجلُ“(6) (جَارِيَتَهُ) وللكُشمِيهنيِّ: ”جارية“ (مِنْ) تحتِ (عَبْدِهِ) فيطَأَها، والأكثرون على أنَّ المرادَ بـ {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (7) اللَّاتي سُبينَ ولهنَّ أزواجٌ في دار الكفرِ، فهنَّ حلالٌ لغزاةِ المسلمين، وإن كنَّ محصناتٍ.
          (وَقَالَ) الله تعالى: ({وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ}) / أي: لا تتزوجوهنَّ أو(8) لا تزوجوهنَّ ({حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة:221]) أي: المشركاتُ، فمِن موانعِ النِّكاحِ الكفر، فيحرمُ مناكحةُ غير أهل الكتابين _التوراةِ والإنجيلِ_ من المجوس، وإن كان لهم شبهة كتابٍ إذ لا كتابَ بأيديهِم، وكذا من المتمسِّكينَ(9) بصحفِ شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داودَ لأنَّها لم تنزِل بنظمٍ(10) يدرسُ ويتلَى، وإنَّما أوحَى إليهم معانيهَا، أو أنَّها لم تتضمَّن أحكامًا وشرائعَ بل كانت حِكمًا ومواعظَ. وكذا يحرمُ نكاحُ سائرِ الكفَّارِ، كعبدةِ الشَّمسِ والقمرِ والصُّورِ والنُّجومِ، والمعطلةِ والزَّنادقةِ والباطنيَّةِ، بخلافِ أهلِ الكتابينِ. وفرَّقَ القفَّالُ بين الكتابيَّة وغيرها بأنَّ غيرها اجتمعَ فيه نقصان الكفرِ في الحالِ، وفساد الدِّينِ في الأصلِ، والكتابيَّة فيها نقصٌ واحدٌ وهو كفرها في الحال.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ممَّا وصله الفريابيُّ وعبدُ بن حُميدٍ بإسنادٍ صحيحٍ عنه أنَّه قال في قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ) من الزَّوجات (فَهْوَ حَرَامٌ، كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ) أمَّا العبدُ فيحرمُ عليهِ ما زاد على ثنتين. قاله البخاريُّ بالسَّند إليه.


[1] في (م): «ولدتك».
[2] قوله: «والبنات كل أنثى ولدتها أو ولدت من ولدها ذكرًا كان أو أنثى بواسطة أو بغيرها» ليس في (د).
[3] في (م): «أبوك».
[4] في (م): «بغيرهما».
[5] في (م): «لأنه».
[6] قوله: «وفي نسخة أن يزوج الرجل» ليس في (د).
[7] في (س): «أيمانهم».
[8] «أو»: ليست في (ص).
[9] في (م): «المستمسكين».
[10] في (ص): «بلفظ».