إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب هجرة النبي نساءه في غير بيوتهن

          ░92▒ (بابُ هِجْرَةِ(1) النَّبِيِّ صلعم نِسَاءَهُ) شهرًا وسكناه(2) (فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ) فلا مفهومَ لقولهِ تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}[النساء:34] (وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة، الصَّحابيِّ، ممَّا أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطيُّ في «مكارم الأخلاق»، وابن مندَه في «غرائبِ شعبة» مطوَّلًا، كلُّهم من روايةِ أبي قزعة سويد، عن حكيمِ بنِ معاويةَ(3) عن أبيه (رَفْعُهُ) إلى النَّبيِّ صلعم بسكون الفاء وضم العين في «اليونينية»(4) (غَيْرَ أَنْ لَا تُهْجَرَ) وللمُستملي: ”ولا تهجر“ (إِلَّا فِي البَيْتِ، وَ) حديث أنس (الأَوَّلُ) المرويُّ في البابِ السَّابق [خ¦5201] المذكور فيهِ هجرهُ صلعم نساءَهُ في غير بيوتهنَّ (أَصَحُّ) من حديثِ معاويةَ بنِ حيدةَ هذا، ولفظ رواية أبي داود عن حكيمِ بنِ معاوية القشيريِّ، عن أبيهِ قال: قلتُ: يا رسول الله، ما حقُّ زوجةِ أحدنا عليه(5)؟ قال: «أن تُطعِمها إذا طعمتَ، وتكسُوها إذا اكتسيْتَ، ولا تضربِ الوجهَ، ولا تقبِّحْ، ولا تهجُر إلَّا في البيتِ». قال أبو داود: ولا تقبِّح، أي: لا تقول(6): قبَّحك الله. انتهى.
          وعبَّر المؤلِّف بـ «يُذْكَر» الَّتي للتَّمريض إشارة إلى انحطاطِ رُتبتِه بالنِّسبة لغيرها، مع الصَّلاحية للاحتجاجِ بذلك، وللكِرمانيِّ والعينيِّ هنا كلام أضربت عنه لطولهِ، والَّذي تقرَّر هنا من معنَى الحديث المعلَّق مع الاستشهادِ له بلفظ أبي داود‼ هو الظَّاهر، فليتأمَّل، مع ما أبداهُ العينيُّ في «شرحه» متعقِّبًا لما في «الفتح»، ممَّا ذكرته هنا منتصرًا للكِرمانيِّ، والله الموفِّق والمعين.
          والحاصلُ: أنَّ الهجرانَ يجوز أن يكونَ في البيوتِ وغيرها، وأنَّ الحصرَ المذكور في حديثِ معاوية المعلَّق هنا غير معمول بهِ، بل يجوزُ في غير البيوتِ، كما فعله صلعم ، وقول المهلَّب: إنَّ(7) الهجرانَ في غيرِ البيوتِ فيه رفقٌ بالنِّساء؛ إذ هو معهنَّ في البيوتِ آلم لقلوبهنَّ. ليس على إطلاقهِ، بل يختلفُ باختلافِ الأحوالِ، على أنَّ الغالب أنَّ الهجرانَ في غيرِ البيوت أشقُّ.
          وهذا الحديثُ المعلَّق سقط للحَمُّويي.


[1] في (م) و (د): «هجر».
[2] في (م): «سكنا».
[3] في (م) و(د) زيادة: «عن معاوية».
[4] قوله: «بسكون الفاء وضم العين في اليونينية» ليس في (د).
[5] في (م): «علينا».
[6] في (ص) و(د): «أن تقول».
[7] «إن»: ليست في (د).