إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن النبي نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية

          5115- وبه قال: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) النَّهديُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيانُ (أنَّه سَمِعَ الزُّهْرِيَّ) محمد بن مسلمٍ (يَقُولُ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ) أي: ابن أبي طالبٍ (وَأَخُوهُ) أي: أخو الحسنِ (عَبْدُ اللهِ) أبو هاشمٍ، ولأبي ذرٍّ: ”عبدُ الله بنُ محمد“ كلاهما (عَنْ أَبِيهِمَا) محمد ابن الحنفيَّةِ (أَنَّ) أباه (عَلِيًّا ☺ قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ) لمَّا سمعه يفتي في متعةِ النِّساء أنَّه لا بأس بها: (إِنَّ النَّبِيَّ صلعم نَهَى عَنِ المُتْعَةِ) في رواية أحمد عن سفيان: «عن نكاحِ المتعةِ» (وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ / خَيْبَرَ) ظرفٌ للاثنين.
          وفي «غزوة خيبرَ» من «كتاب المغازي»: «نهى رسول الله صلعم يوم خيبرَ عن متعةِ النِّساء، وعن لحوم الحمُرِ الأهليَّة(1)» [خ¦4216]. لكن قال البيهقيُّ _فيما قرأته في كتاب «المعرفة»_: وكان ابنُ عُيينةَ يزعمُ أنَّ تاريخ خيبر في حديث عليٍّ إنَّما هو في النَّهي عن لحوم الحمُر الأهليَّة، لا في نكاح المتعةِ. قال البيهقيُّ: وهو يشبه أن يكون كما قال، فقد روي عن النَّبيِّ صلعم أنَّه رخَّص فيه بعد ذلك ثمَّ نهى عنه، فيكون احتجاجُ عليٍّ بنهيه آخرًا حتَّى تقوم به الحجَّة على ابن عبَّاسٍ. وقال السُّهيليُّ: النَّهي عن نكاح المتعة يوم خيبر شيءٌ لا يعرفه أحدٌ من أهل السِّير ولا رواة أهل(2) الأثرِ، فالَّذي يظهر أنَّه وقع تقديمٌ وتأخيرٌ في لفظ الزُّهريِّ. انتهى.
          واتَّفق أصحابُ الزُّهريِّ كلُّهم على خيبر بالخاء المعجمة والراء آخره، إلَّا ما رواه عبدُ الوهَّاب الثَّقفيُّ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن مالكٍ في هذا الحديث، فقال: «حنين» بالحاء المهملة والنونين، أخرجه النَّسائيُّ والدَّارقطنيُّ، وقالا: إنَّه وهمٌ تفرَّد به، وقد اختلف في وقتِ تحريم نكاح المتعة، والَّذي تحصَّل من ذلك أنَّ أوَّلها خيبر _ثمَّ عمرة القضاء_ كما رواه عبدُ الرَّزَّاق من مرسلِ الحسنِ البصريِّ، ومراسيله ضعيفةٌ لأنَّه كان يأخذ عن كلِّ أحدٍ _ثمَّ الفتح_ كما في مسلمٍ بلفظ: «إنَّها حرامٌ من يومكُم هذا إلى يومِ القيامة» _ثمَّ أوطاس_ كما في مسلمٍ بلفظ: رخَّص لنا رسول الله صلعم عام أوطاسٍ في المتعةِ ثلاثًا ثمَّ نهى عنها، لكن يحتمل أنَّه أطلق على عام الفتح عام أوطاسٍ لتقارُبِهما، لكن يبعدُ أن يقع الإذن في غزوة أوطاسٍ بعد أن يقع التَّصريح قبلها في الفتح: بأنَّها حرِّمت إلى يوم القيامةِ _ثمَّ تبوك_ فيما أخرجه إسحاقُ بنُ رَاهُوْيَه، وابنُ حبَّان من طريقهِ من حديث أبي هريرةَ، وهو ضعيفٌ لأنَّه من رواية المؤمِّلِ بنِ إسماعيلَ، عن عكرمة بن عمَّارٍ، وفي كلٍّ‼ منهما مقالٌ، وعلى تقدير صحَّته فليس فيه أنَّهم استمتعوا(3) في تلك الحالةِ، أو كان النَّهيُ قديمًا فلم يبلغ بعضهم، فاستمرَّ على الرُّخصة؛ ولذلك قرن النَّبيُّ صلعم النَّهي بالغضبِ، كما في رواية الحازميِّ من حديث جابرٍ لتقدُّم النَّهي عنه _ثمَّ حجَّة الوداعِ_ كما عند أبي داودٍ(4)، لكن اختلف فيه على الرَّبيعِ ابنِ سَبْرَة، والرِّواية عنه بأنَّها في الفتح أصحُّ وأشهر، فإنْ كان حفظه فليس في سياقِ أبي داودٍ سوى مجرَّد النَّهي، فلعلَّه صلعم أراد إعادةَ النَّهي ليسمعه من لم يسمعْه قبل، ويقوِّيه(5) أنَّهم كانوا حجُّوا بنسائهم بعد أن وسَّع الله عليهم بفتح خيبر من المال والسَّبي، فلم يكونوا في شدَّةٍ ولا طولِ عُزوبةٍ(6)، فلم يبق صحيحٌ صريح سوى خيبر والفتح، مع ما وقعَ في خيبر من الكلام، وأيَّده ابن القيَّم في «الهدي» بأنَّ الصَّحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديَّاتِ. وقال النَّوويُّ: الصَّواب والمختار أنَّ التَّحريم والإباحة كانا مرَّتين؛ فكانت حلالًا قبلَ خيبر، ثمَّ حرِّمت يوم خيبر(7)، ثمَّ أُبيحَت يومَ الفتح؛ وهو يومُ(8) أوطاسٍ لاتِّصالها بها، ثمَّ حرِّمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيَّامٍ تحريمًا مؤبَّدًا إلى يوم القيامة.
          وسبق هذا الحديث في «المغازي» في «غزوة خيبر» [خ¦4216].


[1] لفظ البخاري في «كتاب المغازي»: «الإنسية».
[2] «أهل»: ليست في (س).
[3] في (ص): «استمعوا».
[4] في (س) و(ص) زيادة: «بلفظ».
[5] في (م): «يقربه».
[6] في (د): «عزبة».
[7] قوله: «ثم حرمت يوم خيبر» ليس في (ص).
[8] «يوم»: ليست في (م) و(د).