إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رد رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل

          5073- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ‼) التَّميميُّ(1) اليربوعيُّ الكوفيُّ(2) قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم بنِ عبد الرَّحمن بن عوفٍ قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ) محمد بنُ مسلمٍ أنَّه (سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ المُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ) بالظاء المعجمة الساكنة (التَّبَتُّلَ) أي: ردَّ عليه اعتقادَ مشروعيَّةِ التبتُّلِ، كأنَّه لمَّا رآه عبادةً وليس كذلك ردَّهُ عليه لأنَّ كلَّ ما يفعلهُ العبدُ تقرُّبًا إلى الله تعالى بقصدِ أن يتوصَّل به إلى رضَا الله ورسولهِ وليس / من الشَّرعِ فهو مردودٌ، فردَّ صلعم ما كان من ذلك خارجًا عن شرعِهِ وسنَّتِه، ولم يأذَن له (وَلَوْ أَذِنَ) صلعم (لَهُ) أي: لابن مظعونٍ في ترك النِّكاح (لَاخْتَصَيْنَا) افتعالٌ من خصيته، سللتُ خصيتَهُ فهو خصيٌّ _بفتح أوَّلهِ_ ومخصيٌّ، أي: لفعلنَا فعلَ من يختصِي بأن نفعلَ ما يزيلُ الشَّهوةَ، وليس المرادُ إخراجُ الخصيتينِ لأنَّهُ حرامٌ، أو هو على ظاهرِهِ، وكان قبلَ النَّهي عن الاختصَاءِ.
          التبتُّل: تركُ نكاحِ النِّساءِ للانقطاعِ لعبادةِ الله(3).
          قال في «الفتح»: ويؤيِّدهُ تواردُ استئذانِ جماعةٍ من الصَّحابةِ النَّبيَّ صلعم في ذلك، كأبي هريرةَ وابنِ مسعودٍ وغيرهما. قال في «شرح المشكاة»: وكان من حقِّ الظَّاهرِ أن يقال: لو أذِنَ له(4) لتبتَّلنَا، فعدلَ إلى قوله: اختصينا؛ إرادةً للمبالغةِ، أي: لو أذنَ لنا بالغنا في التَّبتُّلِ حتى يفضِي بنا الأمرُ إلى الاختصاءِ، ولم يُردْ حقيقةَ الاختصاءِ لأنَّه غيرُ جائزٍ. قال في «الفتح»: وإنَّما كان التَّعبيرُ بالخصاءِ أبلغَ من التَّعبيرِ بالتَّبتُّلِ لأنَّ وجودَ الآلةِ يقتضِي استمرارَ وجودِ الشَّهوةِ، ووجودُ الشَّهوةِ ينافي المراد من التَّبتُّلِ، فيتعيَّنُ الخصاءُ طريقًا إلى تحصيلِ المطلوبِ، وغايتُه أنَّ فيه ألمًا عظيمًا في العاجِل، يغتفرُ في جنبِ ما يندفعُ به في الآجلِ، فهو كقطعِ الأصبعِ إذا وقعَت في اليدِ المتأكلَةُ(5) صيانةً لبقيَّةِ اليدِ، وليسَ الهلاكُ بالخصاءِ محقَّقًا بل هو نادرٌ.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه في «النِّكاح».


[1] كتب على هامش (م): في نسخة: التيمي.
[2] «الكوفي»: ليست في (د).
[3] قوله: «التبتل ترك نكاح النساء والانقطاع لعبادة الله»: ليس في (د).
[4] في (م) و(د): «لنا».
[5] في فتح الباري: «الأَكِلَةُ»، وهي أولى للمعنى.