إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تحشرون حفاةً عراةً غرلًا ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده}

          3447- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الفريابيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ) النَّخعيِّ الكوفيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : تُحْشَرُونَ) عند الخروج من القبور حال كونكم (حُفَاةً) بلا خفٍّ ولا نعلٍ (عُرَاةً) بلا ثيابٍ‼، وبعضكم(1) بثيابه(2)، لحديث أبي سعيدٍ صحَّحه ابن حبَّان مرفوعًا: «إنَّ الميت يُبعَث في ثيابه الَّتي يموت فيها» (غُرْلًا) غير مختونين (ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ}) أي نوجده بعينه بعد إعدامه مرَّةً أخرى ({وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:104]) الإعادة والبعث (فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى) من الأنبياء يوم القيامة (إِبْرَاهِيمُ) الخليل بعد حشر النَّاس كلِّهم عراةً، أو بعضهم كاسيًا، أو بعد خروجهم من قبورهم بأثوابهم الَّتي ماتوا فيها، ثمَّ تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيُحشَرون عراةً، ثمَّ يكون أوَّل من يُكسَى إبراهيم (ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ اليَمِينِ) وهي جهة الجنَّة (وَذَاتَ الشِّمَالِ) جهة النَّار (فَأَقُولُ): هؤلاء (أَصْحَابِي) مرَّةً واحدةً (فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ) بالميم (يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) بالكفر (مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ}) مشاهدًا لأحوالهم من كفرٍ وإيمانٍ ({فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}) المراقب لأحوالهم ({وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}) مطَّلعٌ عليه(3) مراقبٌ له(4) ({إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}) ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل في ملكه ({وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:117-118]) الَّذي لا يثيب ولا يعاقب إلَّا عن حكمةٍ. وثبت «{إِن تُعَذِّبْهُمْ...} إلى آخره» لأبي ذرٍّ. وعند غيره بعد قوله: ”{شَهِيدٌ} إلى قوله(5): {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}“.
          (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفَـِرَبْريُّ) سقط لفظ «الفَـِرَبْريُّ» لغير أبي ذرٍّ: (ذُكِرَ) بضمِّ الذَّال المعجمة مبنيًّا للمفعول (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ) محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ ممَّا وصله الإسماعيليُّ (عَنْ قَبِيصَةَ) بن عقبة السَّوائيِّ العامريِّ، وهو(6) شيخ البخاريِّ، أنَّه (قَالَ) في قوله: «فيُقال: إنَّهم لم يزالوا مرتدَّين...» إلى آخره: (هُمُ المُرْتَدُّونَ) من الأعراب (الَّذِينَ ارْتَدُّوا) عن الإسلام (عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق(7) في خلافته (فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ☺ ) وهذا وصله الإسماعيليُّ. ولا ريب أنَّ من ارتدَّ سُلِب اسم الصُّحبة، لأنَّها نسبةٌ شريفةٌ إسلاميَّةٌ، فلا يستحقُّها من ارتدَّ بعد أن اتَّصف بها. والحاصل أنَّه حمل قوله: «من أصحابي» أي: باعتبار ما كان قبل الرِّدَّة؛ لأنَّهم(8) ماتوا على ذلك.


[1] في (ص) و(م): «وبعضهم».
[2] في (د): «بثيابٍ».
[3] في (م): «عليهم».
[4] في (د) و(م): «لهم».
[5] «قوله»: ليس في (د).
[6] «هو»: ليس في (د).
[7] زيد في (د): «أي».
[8] في (د) و(م): «لا أنَّهم»، وهو تحريفٌ.