إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق ابن طهمان: رأى عيسى ابن مريم رجلًا يسرق

          3444- وبه قال: (وَحَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”وحدَّثني“ بالإفراد‼ (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المُسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّامٍ الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) بفتح الميمين بينهما عينٌ مهملةٌ ساكنةٌ، ابن راشدٍ (عَنْ هَمَّامٍ) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابن منبِّهٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) سقط «ابن مريم» لأبي ذرٍّ (رَجُلًا يَسْرِقُ) لم يُسَمَّ الرَّجل ولا المسروق (فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟) بهمزة الاستفهام في الفرع وأصله، وفي غيرهما: ”سرقتَ“ بغير همزةٍ(1) (قَالَ: كَلَّا) نفيٌ للسَّرقة، أكَّده بقوله: (وَاللهِ الَّذِي) ولأبي ذرٍّ: ”والَّذي“ (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) وللحَمُّويي والمُستملي: ”إلَّا الله“ (فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللهِ) أي: صدَّقت من حلف بالله (وَكَذَّبْتُ عَيْنِي) بالإفراد وتشديد ذال «كذَّبت»، وللمُستملي: ”وكذَبت“ بتخفيفها. والتَّشديد هو الظَّاهر، لِمَا رُوِي في «الصَّحيح» من رواية مَعْمَرٍ: «وكذَّبت نفسي» رواه مسلمٌ، وذكره الحميديُّ في «جمعه» في الثَّامن والسَّبعين بعد المئتين من المتَّفق عليه، أعني: رواية مَعْمَرٍ بعد ذكر حديث همَّامٍ هذا. وقوله: «وكذَّبت نفسي» خرج مخرج المبالغة في تصديق الحالف، لا أنَّه كذَّب نفسه حقيقةً، أو أراد صدقه في الحكم، لأنَّه لم يحكم بعلمه، وإلَّا، فالمشاهدة أعلى اليقين، فكيف يكذِّب عينه ويصدِّق قول المدَّعي؟ _وقول القرطبيِّ:_ وظاهر قول عيسى: «سرقتَ» أنَّه خبرٌ جازمٌ عمَّا فعل الرَّجل من السَّرقة؛ لكونه رآه أخذ مالًا من حرزٍ في خُفيةٍ، وقوله: «وكذَّبت نفسي» أي: كذَّبت ما ظهر لي من كون الأخذ سرقةً؛ إذ يحتمل أن يكون الرَّجل أخذ ما له فيه حقٌّ، أو ما أذن له صاحبه في أخذه، أو أخَذَه ليقلِّبه وينظر فيه، ولم يقصد الغصب والاستيلاء. ويحتمل أن يكون عيسى ◙ كان غير جازمٍ بذلك، وإنَّما أراد استفهامه بقوله: «سرقت»، وتكون أداة الاستفهام محذوفةً، وهو سائغٌ. اعتُرِض بجزمه صلعم ، حيث قال: «إنَّ عيسى رأى رجلًا يسرق»، فالاستفهام بعيدٌ، وبأنَّ احتمال كونه أخذ ما يحلُّ له بعيدٌ أيضًا بهذا الجزم. انتهى. وهذا يمكن على حذف الهمزة، أمَّا على رواية إثباتها ففيه نظرٌ، فليُتأمَّل. واستُنبِط منه منع القضاء بالعلم، وهو مذهب المالكيَّة والحنابلة مطلقًا، وجوَّزه الشَّافعيَّة إلَّا في الحدود.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا.


[1] في (د): «همزٍ».