مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب يأجوج ومأجوج

          ░28▒ باب يأجوج ومأجوج
          فيه حديث زينب ابنة أم سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش أنه ◙ دخل عليها يوماً فزعاً. الحديث سلف في أوائل الفتن.
          وحديث أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((يفتح الردم ردم يأجوج ومأجوج)) وسلف.
          وذكر علي بن معبد، عن أشعث بن سعيد، عن أرطأة بن المنذر قال: إذا خرج يأجوج ومأجوج أوحى الله إلى عيسى بن مريم: إني قد أخرجت خلقاً من خلقي لا يطيقهم أحد غيري فمر بمن معك إلى جبل الطور ومعه من الذراري اثنا عشر ألفاً، قال: ويأجوج ومأجوج درجتهم، وهي على ثلاثة أثلاث ثلث على طول الأرز، والسري وثلث مربع طوله وعرضه واحد وهو أشد، وثلث يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالأخرى، وهم ولد يافث بن نوح.
          وعن الأوزاعي، عن ابن عباس قال: الأرض ستة أجزاء، فخمسة أجزاء منها يأجوج ومأجوج، وجزء فيه سائر الخلق.
          وعن كعب الأحبار قال: معاقل المسلمين من يأجوج ومأجوج الطور.
          قال والدي ⌂:
          (باب / ذكر الدجال) هو شخص بعينه ابتلى الله عباده به وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت وإتباع كنوز الأرض وإمطار السماء وإنبات الأرض بأمره ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على شيء منها وهو يكون مدعياً للإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله من انتقاصه بالعور وعجزه عن إزالته عن نفسه وعن إزالة الشاهد بكفره والمكتوب بين عينيه.
          فإن قلت: إظهار المعجزة على يد الكذاب ليس بممكن؟ قلت: أنه يدعي الإلهية واستحالته ظاهرة فلا محذور فيه بخلاف مدعي النبوة فإنها ممكنة فلو أتى الكاذب فيها بمعجزة لالتبس النبي بالمتنبي.
          فإن قلت: ما فائدة تمكينه من هذه الخوارق؟ قلت: امتحان العباد.
          قوله: (إنهم) أي: إن الناس وفي بعضها لأنهم وهو متعلق بمقدر يناسب المقام، و(النهر) بسكون الهاء وفتحها.
          قوله: (هو أهون) قال القاضي: هو أهون على الله من أن يجعل ذلك سبباً لضلال المؤمنين بل هو ليزداد الذين آمنوا إيماناً وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك.
          قوله: (عين اليمنى) أي: عين جهة اليمنى، و(طافئة) بالهمز وهي التي ذهب نورها وبعدمه وهي الناتئة الشاخصة، و(سعد بن حفص) بالمهملتين، و(شيبان) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية وبالموحدة النحوي، و(يحيى) أي: ابن أبي كثير بالمثلثة، و(ترجف) أي: تتحرك المدينة ويضطرب أهلها، و(إبراهيم) ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والضمير في جده عائد إلى إبراهيم، و(أبو بكرة) هو الثقفي، و(الرعب) بضمهما وبسكون الثاني الفزع، و(محمد بن بشر) بكسر الموحدة وتسكين المعجمة العبدي، و(مسعر) بكسر الميم وإسكان المهملة الأولى الهلالي.
          قوله: (صالح) هو ابن كيسان وابن شهاب هو الزهري.
          فإن قلت: أدلة كذبه وعدم إلهيته كثيرة من الحدوث وغيره؟ قلت: ذكر ذلك لأن العور أمر محسوس والعوام تدركه وقد لا تتهدى إلى الدلائل العقلية مر في الأنبياء في باب نوح ◙.
          قوله: (سبط) بسكون الموحدة وكسرها، و(ينطف) بالضم والكسر، و(أو يهراق) بسكون الهاء وفتحها شك من الراوي، و(ابن قطن) بفتح القاف والمهملة وبالنون، و(خزاعة) بضم المعجمة وتخفيف الزاي وبالمهملة.
          فإن قلت: الدجال كيف دخل مكة؟ قلت: المنفي هو أن لا يدخل عند خروجه وظهور شوكته مر في كتاب التعبير.
          قوله: (يستعيذ) وذلك لتعليم أمته وإلا فهو آمن من فتنته.
          قوله: (ربعي) بكسر الراء والمهملة وإسكان الموحدة وشدة التحتانية ابن حراش بكسر المهملة وخفة الراء وبالمعجمة، و(في الدجال) أي: في شأنه وحكايته.
          قوله: (فتارة ماء) فإن قلت: النار كيف تكون ماء وهما حقيقتان مختلفتان؟ قلت: معناه ما هو صورته نعمة ورحمة فهو بالحقيقة لمن مال إليها نقمة ومحنة وبالعكس.
          و(أبو مسعود) هو عقبة بسكون القاف البدري.
          قوله: (إلا أنه أعور) بتخفيف اللام لأنه حرف التنبيه، و(كافر) إما إن حروف هجائه هي المكتوبة غير مقطعة وإما المكتوب ك ف ر.
          قوله: (نقاب) جمع: النقب وهو الطريق بين الجبلين وقيل هو بقعة بعينها، و(رجل) قيل: هو الخضر ◙، و(يقولون لا) والقائلون به إما اليهود ونحوهم وإما المسلمون فقالوه خوفاً منه أو معناه لا نشك في كفرك وبطلان قولك.
          قوله: (أشد بصيرة) لأن رسول الله صلعم أخبر بأن ذلك من جملة علاماته (فلا يسلط عليه) أي: لا يقدر على قتله بأن لا يخلق القطع في السيف أو يجعل بدنه كالنحاس مثلاً وغير ذلك مر في آخر الحج في باب حرم المدينة.
          قوله: (نعيم) مصغراً ابن عبد الله المجمر بفاعل الإجمار بالجيم والراء ومر في أول الوضوء / أن نعيماً نفسه هو المجمر، و(الأنقاب) جمع القلة والنقاب جمع الكثرة.
          قوله: (يزيد) بالزاي ابن هارون الواسطي، و(يأتيها) أي: يقصد إتيانها، و(إن شاء الله) هو متعلق بالأخير على مذهب الشافعية.
          فإن قلت: هو للتبرك أو للتعليق؟ قلت: يحتملهما.
          قوله: (يأجوج ومأجوج) بالهمز فيهما وتركه طائفتان من ولد يافث بن نوح قيل هما صنفان من الترك، و(سليمان) هو ابن بلال، و(محمد) ابن عبد الله بن أبي عتيق بفتح المهملة الصديقي، و(أبو سلمة) بفتحتين، و(أم حبيبة) ضد العدوة، و(زينب بنت جحش) بفتح الجيم وإسكان المهملة وبالمعجمة، و(فزعا) أي خائفاً مضطرباً.
          فإن قلت: سبق في أول كتاب الفتن أنها قالت استيقظ النبي صلعم من النوم يقول لا إله إلا الله؟ قلت: لا منافاة لجواز تكرار ذلك القول وخصص العرب بالذكر لأن شرهم بالنسبة إليها أكثر كما وقع ببغداد من قتلهم الخليفة ونحوه.
          و(الردم) السد الذي بيننا وبينهم وهو سد ذي القرنين، و(نهلك) بكسر اللام، و(الخبث) بفتح المعجمة الفسق وقيل: الزنا خاصة أي: إذا كثر يحصل الهلاك العام لكن يبعثون على حسب أعمالهم.
          فإن قلت: لم لا يكون الأمر بالعكس كما جاء لا يشقى جليسهم وتغلب بركة الخير على شؤم الشر؟ قلت: هو في القليل كذلك بخلاف ما إذا كثر الخبث، فإن الأكثر يغلب الأقل وحاصله أن الغلبة للأكثر في الصورتين.
          قوله: (وهيب) مصغراً، و(ابن طاوس) عبد الله.
          فإن قلت: قال هاهنا عقد وهيب تسعين وفي أول الفتن عقد سفيان وفي الأنبياء في باب ذكر القرنين وعقد أي رسول الله صلعم؟ قلت: لا منع للجمع بأن عقد كلهم، وأما عقده فهو تحليق الإبهام والمسبحة بوضع خاص يعرفه الحساب.
          الزركشي:
          قوله: (هو أهون على الله من ذلك) أي: هو أهون من أن يفتن الناس به فيملكه معاش أبدانهم فيعلم بذلك فتنته؛ بل يبقي عليه ذلة العبودية بإحراجه إلى معالجة المعاش.
          (النقاب) الطريق في الجبل، كأنه أراد لا يدخل المدينة من طريقها.
          وقيل: نقاب المدينة اسم بقعة بعينها.
          وقيل في ذلك: إنما هو على سبيل الامتحان لعباده إذ كان معه ما يدل على أنه مبطل في دعواه فآيات الأنبياء بريئة عما يعارضها من نقائصها.
          (وإن بين عينيه مكتوب كافر) كذا وقع بالرفع فيكون اسم ((إن)) محذوفاً وما بعده جملة من مبتدأ وخبر في موضع خبر ((إن))، والاسم المحذوف إما ضمير الشأن أو عائد على الدجال.
          ويروى: ((مكتوبا)) فيحتمل أن يكون اسم ((إن)) محذوفاً على ما تقرر في رواية الرفع، و((كافر)) مبتدأ وخبره ((بين عينيه))، و((مكتوبا)) حال، أو يجعل ((مكتوبا)) اسم ((إن))، و((بين عينيه)) خبر مبتدأ، والتقدير: هو كافر.
          ويجوز رفع ((كافر)) بـ((مكتوب)) وجعله خبرا سادًّا مسَدَّ خبر ((إن)) على رأي الأخفش في: إن قائماً الزيدان، قاله ابن مالك.
          وذكر حديث: ((ويل للعرب من شر قد اقترب)) هو أول إسناد في الصحيح، وهو رواية أربعة من الصحابة بعضهم عن بعض، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (الدجال) إنما سمي دجالاً لتمويهه يخرج من أصبهان وقيل من خراسان وقيل من مرو، قال بعض العلماء: ويخرج هذا على أنه يخرج مرة بعد أخرى والدجال أمه يقال لها: أم شق جنية عشقت أباه فأولدها الدجال، واسمه جُوس وقيل ولدته أمه بقوص.
          قوله: (هو أهون على الله من ذلك) أي: هو أهون من أن يجعله مضلًّا للمؤمنين ومشككاً لعلومهم بل إنما جعله الله ليزداد الذين آمنوا إيماناً وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين.
          قوله: (أعور عين اليمنى) وجاء في (م): أعور عين اليسرى والجمع بينهما وهو أنهما معينتان(1) أحدهما طافئة بالهمز أي: ذاهبة النور عمياً لا تبصر بها شيئاً والثانية طافية بلا همز؛ أي: ناتئة لكنه يبصر بها عليها طفرة.
          قوله: / (بين عينيه مكتوب كافر) قال النووي: هذه كناية حقيقة جعلها الله تعالى آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه ويظهرها الله لكل مؤمن كاتب وغير كاتب ويجعلها عمن أراد شقاوته وفتنته.
          (باب لا يدخل المدينة الدجال) قيل: ولا مكة ولا بيت المقدس ولا طور سيناء.
          قوله: (فينزل بعض السباخ عند الضريب الأحمر) وهو مكان بقرب مدينة النبي ◙.
          قوله: (لا يقربها الطاعون ولا الدجال إن شاء الله تعالى) هذا الاستثناء للترك.
          قوله: (يأجوج ومأجوج) سموا بذلك لشدتهم وحدتهم من قولهم: ماء أجاج، وقيل لكثرتهم وهم من ولد يافث وقيل احتلم آدم فاختلط ماؤه بالتراب فاشتد فخلقوا من ذلك، وفيه نظر لأنه ما احتلم نبي قط وفي هذا الحديث نظر.
          وقال القرطبي في المفهم يأجوج ومأجوج يهمزان ولا يهمزان لغتان، وقرئ بهما فمن همزهما جعلهما من أجيج النار وهو ضوءها وحرارتها وسموا بذلك لكثرتهم وشدتهم وقيل: من الأجاج وهو الماء الشديد الملوحة وقيل هما اسمان أعجميان غير مستفتين قال مقاتل: هم من ولد يافث بن نوح.
          الضحاك: من الترك، كعب: احتلم آدم فاختلط ماؤه بالتراب فاشتد فخلقوا من ذلك وفيه نظر لأن الأنبياء لا تحتلم.
          وذكر الغزنوي في كتابه المسمى بعيون المعاني أن النبي صلعم قال: يأجوج أمة لها أربعمائة أمير وكذلك مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده، صنف منهم كالأرز طولهم مائة وعشرون ذراعاً وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم مقدمتهم بالشام وساقيهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية، فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس.
          وقال علي ☺: وصنف منهم في طول شبر لهم مخالب كأنياب السباع وتداعي الحمام وتسافد البهائم وعواء الذئاب، وشعور تقيهم الحر والبرد وأذان عظام إحدها وبره يشتون فيها والأخرى جلدة يصيفون فيها، يحفرون السد حتى كادوا ينقبونه فيعيده الله كما كان، حتى يقولوا ننقبه غدا إن شاء الله تعالى فينقبون ويخرجون ويتحصن الناس بالحصون فيرمون السماء فترد إليهم السهم ملطخاً بالدم فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ثم يهلكهم الله بالنغف في رقابهم يعني الدود.
          قوله: (مثل هذه وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها) هذا إخبار وتفسير من الصحابة التي شاهدت إشارة النبي صلعم، ثم إن الرواة بعدهم عبّروا عن ذلك باصطلاح الحساب فقال بعضهم وعقد سفيان بيده عشرة وقال بعضهم: وعقد وهيب بيده تسعين وهذا تقريب في العبارة، والحاصل أن الذي فتحوا من السد قليل وهم مع ذلك لم يلهمهم الله تعالى أن يقولوا غدا بفتحه إن شاء الله تعالى فإذا قالوها خرجوا.
          قال ابن العربي: حتى إذا جاء وعد ربي قالوا غدا يخرج فيأتون فيجدونه بحاله فيوالون الحفر فيتصور به ويخرجون عليه فيدكونه دكا حتى يصير مثل التراب وفي هذا قيل ثلاث آيات:
          الأولى: أن الله منعهم أن يوالوا الحفر ليلاً ونهاراً.
          الثانية: أن الله منعهم من أن يحاولوا الرقي عليه بآلة أو سلم إذ لم يلهمهم ولا علمهم ذلك وليس في أرضهم خشب ولا آلات يحاول بها تلك الصناعات.
          الثالثة: أنه قيدهم عن أن يقولوا إن شاء الله.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: الجمع بينهما مشكل وذلك أن الحديثان صحيحان في الصحيح فيثبت أنهما بهما عور وإذا بهما عور فيكون أعمى لا يبصر شيئاً والحال أنه يبصر فيحتاج إلى جواب)).