مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة

          ░11▒ باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟
          فيه حديث حذيفة: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير.. الحديث.
          كما سلف في باب علامات النبوة وهو علم من أعلام نبوته، وذلك أنه ◙ أخبر حذيفة بأمور مختلفة من الغيب لا يعلمها إلا من أوحي إليه بذلك من أنبيائه الذين هم صفوة خلقه.
          وفيه حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك القيام على أئمة الحق، ألا ترى أنه ◙ وصف أئمة زمان الشر فقال: ((دُعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)).
          فوصفهم بالجور والباطل والخلاف لسنته؛ لأنهم لا يكونون دعاة على أبواب جهنم إلا وهم على ضلال، ولم يقل: فيهم من تعرف منهم وتنكر، كما قال في الأولين، وأمر مع ذلك بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ولم يأمر بتفريق كلمتهم وشق عصاهم.
          اختلف في معنى أمره ◙ بلزوم الجماعة، ونهيه عن الفرقة، وصفة الجماعة التي أمر بلزومها كما خطأه الطبري فقال بعضهم: هو أمر إيجاب، والجماعة هي السواد الأعظم من أهل الإسلام من أمر دينهم، فهو الحق الواجب، والفرض الثابت الذي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه، وسواء خالفهم في حكم من الأحكام، أو في إمامهم القيم بأمورهم وسلطانهم فهو مخالف للحق.
          واحتجوا برواية (ق) من حديث أنس مرفوعاً: ((إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة)).
          ومن حديث راشد بن سعد، عن عوف بن مالك مرفوعاً: ((افترقت اليهود على أحد وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين، واحدة وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار)). قيل: من هم؟ قال: ((الجماعة)).
          وقال آخرون: الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة أئمة العلماء، وذلك أن الله سبحانه جعلهم حجة على خلقه، وإليهم تفزع العامة في دينها وهم تبع لها، وهم المعنيون بقوله: ((إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة)).
          وسئل ابن المبارك عن الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم، فقال: أبو بكر وعمر. فلم يزل ينزل حتى انتهى إلى محمد بن ثابت ابن الحسن بن واقد. قلت: هؤلاء ماتوا، فمن الأحياء؟ قال: أبو حمزة السكري.
          وقال آخرون: الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين بعد مضيه حتى أقاموا عماده وأرسوا وتاده وردوه وقد كاد المنافقون أن ينتزعوا أواخيه ويقلبوه من أواسيه إلى نصابه وسلكوا في الدعاء منهاجه، فأولئك الذين ضمن الله لنبيه أن لا يجمعهم على ضلالة، ولو كان معناه لا يجمع الله في زمن من الأزمان من يوم بعثه إلى قيام الساعة على ضلالة بطل معنى قوله: ((لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق))، وشبهه من الأخبار المروية عنه ◙: أن من / الأزمان أزماناً تجتمع فيها أمته على ضلالة وكفر.
          وقال آخرون: إنها جماعة أهل الإسلام ما كانوا مجتمعين على أمر واجب على أهل الملل اتباعها، فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين، ووجه تعرف وجه الصواب فيما اختلفوا فيه، والصواب في ذلك كما قال الطبري: إنه أمرٌ مِنه بلزوم إمام جماعة المسلمين، والنهي عن فراقهم فيما هم عليه مجتمعون من تأميرهم إياه، فمن خرج من ذلك فقد نكث بيعته ونقض عهده بعد وجوبه، وقد قال ◙: ((من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائناً من كان)).
          قيل: أن الجماعة المأمور باتباعها هي السواد الأعظم مع الإمام الجامع لهم، فإذا لم يكن لهم إمام، وافترق الناس أحزاباً فواجب اعتزال تلك الفرقة كلها، على ما أمر به الشارع أبا ذر، ولو بأن يعض بأصل شجرة حتى يدركه الموت، فذلك خير له من الدخول بين طائفة لا إمام لها خشية ما يئول من عاقبة ذلك من فساد الأحوال باختلاف الأهواء وتشتت الآراء.
          ذكر صاحب ((البديع في تفضيل مملكة الإسلام))، وهو الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر النيسابوري عن طائفة من المرجئة والكرامية: أن كل مجتهد مصيب في الأصول والفروع جميعاً إلا الزنادقة.
          واحتجوا بحديث: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنان وسبعون في الجنة وواحدة في النار)) والمشهور عكسه وهو: اثنان وسبعون في النار. إلا أن الثاني أصح إسناداً فإن صح الأول فالهالك هم الباطنية، وإن صح الثاني فالناجية هم السواد الأعظم، وهم أتباع المذاهب الأربعة وهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحاب الحديث.
          وفي بعض الروايات: ((وتفترق المجوس على سبعين فرقة، فرقة ناجية والباقية في النار)) وهذا يؤيد قول من قال: إن للمجوس كتاباً وهم جماعة من الصحابة.
          وقال الجورجاني في ((موضوعاته)) في الحديث الأول: ليس له أصل. وقال في حديث أنس: ((كلهم في النار إلا فرقة واحدة))، وقال: هو حديث حسن غريب مشهور، رواته كلهم ثقات أثبات، وقد رواه عن رسول الله صلعم: سعد بن أبي وقاص وعلي وأبو الدرداء وعوف بن مالك وابن عمر وجابر وأبو هريرة ومعاوية وأبو أمامة، وواثلة، وعمرو كلهم عن رسول الله، وقالوا فيه: واحدة في الجنة وهي الجماعة.
          قال الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن إسحاق السري في كتابه ((افتراق الأمة)): أهل السنة والجماعة فرقة، والخوارج خمس عشرة فرقة، والشيعة ثلاث وثلاثون، والمعتزلة ستة، والمرجئة اثنا عشر، والمشبهة ثلاثة، والجهمية فرقة واحدة، والنجارية واحدة، والضرارية واحدة والكلابية واحدة، وأصول الفرق عشرة: أهل السنة، والخوارج، والشيعة، والجهمية، والضرارية، والمرجئة، والنجارية، والكلابية، والمعتزلة، والمشبهة.
          و(الدخن) سلف بيانه في باب: علامات النبوة.
          وقال الداودي: الدخن يكون من الأمراء، ولا يزال حال الناس ما صلحت(1) لهم هدايتهم وهم العلماء وأئمتهم وهم الأمراء.
          قوله: (يعض) هو بفتح العين، أصله: عضض. بكسر الضاد. وقال الجوهري عن أبي عبيدة: عضضت بالفتح في الرباب.


[1] في هامش المخطوط: في (ط): منصلحا.