مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه

          ░6▒ باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه
          فيه حديث الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك نشكوا إليه ما نلقى من الحجاج، الحديث.
          وحديث هند بنت الحارث، عن أم سلمة: استيقظ رسول الله صلعم ليلة... الحديث.
          وسلف في كتاب الصلاة في باب تحريضه على صلاة الليل.
          قوله: (شر منه) كذا وقع في الأصول وهو الفصيح، وأورده ابن التين بلفظ ((أشر)) وقال: كذا وقع على وزن أفعل. قال الجوهري: فلان شر الناس، ولا يقال: أشر الناس إلا في لغة رديئة.
          والخزائن جمع خزانة: وهو الموضع أو الوعاء الذي يخزن فيه الشيء، سمي بذلك، لأنه من سيب المخزون فيه، ومنه قيل للقلوب: خزائن؛ لغوصها واستتارها.
          قوله: (رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) أي: كاسية من النعم عارية من الشكر، فهي عارية في الآخرة من الثواب. وقال الداودي: يعني أهل الزيف والسرف عارية يوم القيامة، قال: ويحتمل أن يريد عارية في النار.
          وحديث أنس من علامات النبوة؛ لإخباره بتغير الزمان وفساد الأحوال، وذلك غيب لا يعلم بالرأي، وإنما يعلم بالوحي، ودل حديث أم سلمة على الوجه الذي يكون به الفساد، وهو ما يفتح الله عليهم من الخزائن، وأن الفتن مقرونة بها، ويشهد لصحة ذلك قول الله: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى. أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] فمن فتنة المال ألا ينفق في طاعة الله، وأن يمنع حق الله، ومن فتنته السرف في إنفاقه، ألا ترى قوله: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)).
          قال المهلب: فأخبر أن فيما فتح من الخزائن فتنة الملابس، فحذر ◙ أزواجه وغيرهن أن يفتتن في لباس رفيع الثياب التي تفتن النفوس في الدنيا رقيقها وغليظها، وحذرهن التعري يوم القيامة منها ومن العمل الصالح، وخصهن بهذا القول أن يقدمن ما يفتح عليهن من تلك الخزائن للآخرة، وليوم يحشر الناس فيه عراة، فلا يكسى إلا الأول فالأول في الطاعة والصدقة والإنفاق في سبيل الله، فمن أراد أن يسبق إليه الكسوة فليقدمها لآخرته ولا يذهب طيباته في الدنيا، وليرفعها إلى يوم الحاجة.
          قوله: (من يوقظ صواحب الحجرات) ندب / بعض خدمه لذلك كما قال يوم الخندق: ((من يأتيني بخبر القوم))؛ فلذلك قال: من سهل عليه في الليل أن يدور على أزواجه فيوقظهن للصلاة والاستعاذة بالله مما أراه من الفتن النازلة كي يوافقن الوقت المرجو فيه الإجابة، فأخبرنا أن حين نزول البلاء ينبغي الفزع إلى الصلاة والدعاء فيرجى كشفه، بقوله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [الأنعام:43].
          وهذا كله والذي في الباب الماضي من أعلام النبوة، وقد رأينا هذه الأشراط عياناً، فقد نقص العلم لا بل ذهب، وظهر الجهل لا بل كثر وفشا، وألقي الشح في القلوب، وعمت الفتن، وكثر القتل، والنساء كاسيات عاريات.