مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الفتنة التي تموج كموج البحر

          ░17▒ باب الفتنة التي تموج كموج البحر
          وقال ابن عيينة، عن خلف بن حوشب: كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن:
          الحرب أول ما تكون فتية..
          الأبيات.
          هذه الأبيات معزوة لامرئ القيس، وعزاها إليه السهيلي في ((روضه)) وقال ابن التين: إنها لعمرو بن معدي كرب.
          والتعليق المذكور رويناه عن ابن الأعرابي، ثنا عباس، ثنا يحيى، ثنا سفيان.. فذكره، وخلف هذا من عباد أهل الكوفة، كنيته أبو يزيد، وأبو عبد الرحمن، قال (خ): أثنى عليه ابن عيينة، قيل: بقي إلى حدود الأربعين ومائة وسأورد فصلاً في الكلام على هذه الأبيات.
          ثم ساق (خ) حديث حذيفة وأبي موسى وقد سلفا، وكذا حديث أسامة.
          ثم قال: باب وساق فيه حديث أبي بكرة: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) وسلف.
          وحديث أبي مريم واسمه عبد الله بن زياد الأسدي قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي إلى عمار بن ياسر وحسن بن علي، فقدما عليه الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن، واجتمعنا إليه، فسمعت عماراً يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، الحديث.
          ثم قال: باب ثنا أبو نعيم، عن ابن أبي غنية وهو بغين معجمة مفتوحة ثم نون ثم مثناة تحت ثم هاء، واسمه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الكوفي أصبهاني، وهو والد يحيى بن عبد الملك. اتفقا عليه عن الحكم، [عن] أبي وائل: قام عمار على منبر الكوفة، فذكر عائشة وذكر مسيرها الحديث ثم ساق من حديث أبي وائل قال: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمار، حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم. فقالا: الحديث.
          وحديث أبي حمزة: بالحاء والزاي واسمه محمد بن ميمون السكري المروزي، مات سنة ثمان وستين ومائة عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة قال: كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى إلى آخره.
          زعم الإسماعيلي أن أبا حمزة روى حديث خزيمة عن الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق قال عمر إنكم تحدثونا عن الفتنة قال كذا قال عن مسروق وخالفه الناس فقالوا عن الأعمش عن أبي وائل فذكر حديث (خ).
          وحديث حذيفة وأبي موسى من أعلام النبوة؛ لأن فيهما الإخبار عما يكون من الفتن والغيب، وذلك لا يعلم إلا بالوحي. وقال الخطابي: إنما كان يسأل حذيفة عن الشر؛ ليعرف موضعه فيتوقاه، وذلك أن الجاهل بالشر أسرع إليه وأشد وقوعاً فيه.
          ويروى عن بعض السلف أنه قيل له: إن فلاناً لا يعرف الشر. قال: ذاك أجدر أن يقع فيه، ولهذا صار عامة ما يروى من أحاديث الفتن وأكثر ما يذكر من أحوال المنافقين منسوبة إليه ومأخوذة عنه، وقال غيره: وإنما نكبه حذيفة حين سأله عمر عن الفتنة، فجاوبه عن فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، ولم يجاوبه عن الفتنة الكبرى التي تموج كموج البحر، لئلا تغمه ويشتغل باله، ألا ترى قوله لعمر: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها باباً مغلقاً. ولم يقل له: أنت الباب، وهو يعلم أن الباب عمر، وإنما أراد حذيفة أن لا يواجهه بما يشق عليه ويهمه، وعرض له بما فهم عنه عمر أنه هو الباب، ولم يصرح له به، وهذا من أحسن أدب حذيفة.
          فإن قلت: فمن أين علم عمر أن الباب إذا كسر لم يغلق أبداً؟ فالجواب: أنه استدل عمر على ذلك بأن الكسر لا يكون إلا غلبة، والغلبة لا تكون إلا في الفتنة، وقد علم عمر وغيره من رسول الله أنه سأل ربه أن لا يجعل بأس أمته بينهم فمنعها، فلم يزل الهرج إلى يوم القيامة / ، وروى معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي، عن شداد بن أوس مرفوعاً: ((إذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة))(1).
          وفيه: أن الصحابة كان يأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويصدق بعضهم بعضاً، وكلهم عدل رضى.
          وفي حديث أبي موسى: البشرى بالجنة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا أنه قال في عثمان: ((مع بلاء يصيبه)) وكان ذلك البلاء أنه قتل مظلوماً شهيداً.
          فإن قلت: فكيف خص عثمان بذكر البلاء، وقد أصاب عمر مثله؛ لأنه طعنه أبو لؤلؤة، ومات من طعنته شهيداً؟
          فالجواب: أن عمر وإن كان مات من الطعنة شهيداً، فإنه لم يمتحن بمحنة عثمان من تسلط طائفة باغية متغلبة عليه، ومطالبتهم له أن ينخلع من الإمامة، وهجومهم عليه في داره وهتكهم ستره، ونسبتهم إليه الجور والظلم، وهو بريء عند الله من كل سوء بعد أن منع المانع أشياء يطول إحصاؤها، وعمر لم يلق مثل هذا، ولا تسور عليه أحد داره، ولا قتله موحد فيحاجه بها عند الله، ولذلك حمد الله عمر على ذلك، فكان الذي أصاب عثمان غير قتله من البلاء بلاء شديداً لم يصب عمر مثله.
          وقول أبي وائل: (قيل لأسامة: أن لا يتكلم هذا؟) مع أشياء كثيرة يعني: عثمان بن عفان أن يكلمه في شأن الوليد بن عقبة لأنه ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره، وكان أخا عثمان لأمه، وكان عثمان يستعمله على الأعمال، فقيل لأسامة: ألا تكلمه في أمره؟ لأنه كان من خاصة عثمان وممن يخف عليه، فقال: (قد كلمته) أي: فيما بيني وبينه، و(ما دون أن أفتح باباً أكون أول من يفتحه) يريد: لا أكون أول من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانية، فيكون باباً من القيام على أئمة المسلمين، فتتفرق الكلمة وتتشتت الجماعة، كما كان بعد ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير، ثم عرفهم أنه لا يداهن أميراً أبداً بل ينصح له في السر جهده بعد ما سمع رسول الله يقول في الرجل الذي كان في النار كالحمار يدور برحاه من أجل أنه كان يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن الشر ويفعله، يعرفهم أن هذا الحديث جعله أن لا يداهن أحداً، يتبرأ إليهم مما ظنوا به عن سكوته عن عثمان في أخيه.
          فإن قلت: الإنكار على الأمراء في العلانية من السنة لما روى سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن طارق بن شهاب أن رجلاً سأل رسول الله: أي الجهاد أفضل؟ قال: ((كلمة حق عند سلطان جائر)).
          قلت: واختلف في تأويله كما قال الطبري.
          فقيل: إنه محمول على ما إذا أمن على نفسه القتل أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به، وهو مذهب أسامة بن زيد.
          وقيل: الواجب على من رأى منكراً من ذي سلطان أن ينكره علانية، وكيف أمكنه، روي ذلك عن عمر وأبي، واحتجوا بقوله ◙: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) الحديث، وبقوله ◙: ((إذا هابت أمتي أن يقولوا للظالم: يا ظالم فقد تودع منهم)).
          وقيل: من رأى من سلطانه منكراً فالواجب عليه أن ينكره بقلبه فقط. واحتجوا بحديث أم سلمة مرفوعاً: ((يستعمل عليكم أمتي أمراء بعدي تعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع)) قالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)).
          والصواب كما قال الطبري أن الواجب على كل من رأى منكراً أن ينكره إذا لم يخف على نفسه عقوبة لا قبل له بها؛ لورود الأخبار عن رسول الله بالسمع والطاعة للأئمة، وقوله ◙: ((لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه)). قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: ((يتعرض من البلاء لما لا يطيق)).
          وأما حديث أبي بكرة فإن في ظاهره توهنه لرأي عائشة في الخروج.
          قال المهلب: وليس كذلك؛ لأن الأمر بالمعروف من مذهب أبي بكرة أنه كانت على رأي عائشة وعلى الخروج معها ولم يكن خروجها على نية القتال، وإنما قيل لها: اخرجي لتصلحي بين الناس فإنك أمهم وليس يعنوك بقتال. فخرجت لذلك، وكانت نية بعض أصحابها إن ثبت لهم البغي أن يقاتلوا التي تبغي، وكان منهم أبو بكرة، ولم يرجع عن هذا الرأي أصلاً وإنما تستام بقول الشارع في تمليك فارس امرأة أنهم يغلبون؛ لأن الفلاح في اللغة البقاء، لأن أبا بكرة وهن رأي عائشة، ولا في الإسلام أحد / يقوله إلا الشيعة، فلم يرد أبو بكرة بكلامه إلا أنهم يغلبون إن قوتلوا، وليس الغلبة بدلالة على أنهم على باطل؛ لأن أهل الحق قد يغلبون وتكون لهم العاقبة، كما وعد الله المتقين، وذلك عيان في الصحابة يوم حنين وأحد، وجعل الله لهم العاقبة كما جعلها لمن غضب لعثمان وأنف من قتله وطلب دمه، وليس في الإسلام أحد يقول أن عائشة دعت إلى أمير معها، ولا عارضت عليًّا في الخلافة، ولا نازعته لأخذ الإمارة، وإنما أنكرت عليه منعه من قتل عثمان، وتركهم دون أن يأخذ منهم حدود الله، ودون أن يقتص لعثمان منهم، لا غير ذلك، فهم الذين خشوها وخشوا على أنفسهم فورشوا ودسوا في جمع عائشة من يقول لهم: إن عليًّا يقاتلكم فخذوا حذركم وسلوا سلاحكم(2). وقالوا لعلي: إنهم يريدون أن يخلعوك ويقاتلوك على الإمارة. ثم استشهدوا بما يرونه من أخذ أصحاب الجمل بالحزم وتعبئة الصفوف وسل السلاح، ثم يقولون له: هل يفعلون ذلك إلا لقتالك؛ حتى حركوه وكانوا أول من رمى فيهم بالسهام، ضربوا بالسيوف والرماح حتى اشتبك القتال، ووقع ما راموه، وكان في ذلك خلاصهم بما خشوه من اجتماع الفريقين على الاستقادة لعثمان منهم، هذا أحسن ما نقل في ذلك.
          وأما حديث أبي موسى وأبي مسعود حين دخلا على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم، فجرى بينهم ما جرى من تقبيح رأي عمار وإسراعه في الفتنة بالخروج، وكشف الوجه، وقد علم نهي رسول الله عن حمل السلاح على المسلمين في توبيخ عمار لهما على قعودهما عن ذلك، وكل فريق منهم مجتهد، له وجه في الصواب، وكان اجتماعهم عند أبي مسعود بعد أن خطب عمار الناس على المنبر بالنفير، وكان أبو مسعود كثير المال جواداً، وكان ذلك يوم جمعة فكساهما حلتين ليشهدا بهما الجمعة؛ لأن عماراً كان في ثياب السفر وهيئة الحرب، فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى؛ لأنه كان كريماً.
          قوله: (الحرب أول ما تكون فتية) هو مثل، فشبه ابتداءها بالشابة، والحرب مؤنثة، قال الخليل: تصغيرها حريب بلا هاء رواه عن المعرب قال المازني: لأنه في الأصل مصدر. وقال المبرد: قد تذكر الحرب. قال سيبويه: بعضهم يرفع (أول)، و(فتية) على أنه أنث الأول بقوله: فتية؛ لأنه مثل: ذهبت بعض أصابعه ومن نصب (أول) على أنه في ذلك الخبر، ورفع (فتية) على أنها خبر عن الحرب، ويعني الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية وأجاز غير سيبويه إذا روي الحرب أول ما تكن فتية أن تكون فتية، وقدره بمعنى إذا كانت فتية جعل (فتية) حالا وتؤنث (أول) على ما تقدم، وزعم المبرد أن تقديره: أول ما تكون وتسعى فتية ثم تقدم الحال، وحكي أيضاً غير ما رواه سيبويه، وهو أن يروى: الحرب أول. أي: أنها أول شيء في هذه الحال.
          قوله: (وشب ضرامها) قال ابن التين: هو بضم الشين أي: اتقدت نارها.
          يقال: شبت النار والحرب إذا أوقدتا، والضرام بالكسر إشعال النار في الحلفاء وغيرها.
          قوله: (ولت عجوزاً غير ذات حليل) أي: صارت لا أرب فيها، ولا تراد، والحليل: الزوج. جزم به ابن التين. وضبطه الدمياطي بالأصل بخاء معجمة، وفي الحاشية بحاء مهملة.
          قوله: (شمطاء) أي: شاب رأسها، والشمط: بياض شعر الرأس يخالطه سواد، والرجل أشمط والمرأة شمطاء. وقال الداودي: يعني كثرة الشيب.
          قوله: (ينكر لونها) أي: يبدل حسنها بقبح.
          قوله: (مكروهة للشم) أي: تغير فوها بالبخر.
          قوله في حديث حذيفة: (فتنة الرجل في أهله) يعني: ما لا يكاد الزوجان يسلمان منه.
          قوله: (ماله) يعني: أن المجتهد وإن تحفظ لا يسلم في المال إذا تشبه.
          قوله: (تكفرها الصلاة) أي: لأن الصلاة كفارات لما / بينهن إلا حقوق العباد والحدود.
          قوله: (بل يكسر) أي: يقتل عمر ولا يموت حتف أنفه، قاله الداودي(3).
          قوله: (أجل) أي: نعم، قال الأخفش: إلا أنه أحسن من نعم في التصديق، ونعم أحسن منه في الاستفهام إذا قال: أنت سوف تذهب. قلت: أجل، وكان أحسن من نعم، فإذا قال: تذهب؟ قلت: نعم، كان أحسن من أجل، وكذلك هو هاهنا في التصديق، وكان عمر يعلم أنه شهيد، ولكن الشهادة قد تكون من غير القتل، وكان رأى ديكاً نقره في ظهره ثلاثاً، فذكره لأسماء بنت عميس فقالت: يطعنك على ثلاث طعنات.
          قوله: (حدثته حديثاً ليس بالأغاليط) أي: حديث صدق لا غلط فيه، والأغلوط ما يغلط به من المسائل. وقال الداودي: أي ليس بالحديث الذي يتهاون فيه أو يغفل عن شيء منه لغطاً عنه؛ لأنه أول شر يدخل على هذه الأمة فهبنا أن نسأله يعني: حذيفة.
          وفيه: هيبة العالم. قال ابن عيينة: رأيت مالكاً وهو عند زيد بن أسلم وهو يسأله عن حديث عمر في الفرس الذي حبس، ومالك يذكر له الكلمة بعد الكلمة أو يتلفظ.
          وقول أبي مُوسَى: (لأكونن اليوم بواب رسول الله ولم يأمرني) كذا هنا، وفي حديث آخر: (أمرني بحفظ الباب) قال الداودي: وهذا اختلاف ليس المحفوظ إلا أحدهما. قلت: يجوز أن يكون ذاك أولاً والآخر ثانياً.
          والقف بضم القاف ثم فاء هو الدكة التي تجعل حولها، وأصل القف ما غلظ من الأرض وارتفع أو هو من القف اليابس؛ لأن ما ارتفع حول البئر يكون يابساً في الغالب، والقف أيضاً واد من أودية المدينة عليه مال لأهلها.
          قوله: (فكشف عن ساقيه) يؤخذ منه أنه ليس بعورة.
          قوله في عثمان: ((وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه)). أخبره بذلك؛ ليستعمل الصبر عند البلاء ففعل، قال الداودي: وفيه أن ابن المسيب كان من إحسانه لعبارة الرؤيا يعبر ما يشبهها، يعني بقوله: فتأولت ذلك قبورهم اجتمعت هاهنا، وانفرد عثمان.
          قوله: (قيل لأسامة: ألا تكلم هذا؟) يعني: عثمان كما سلف. فأخبر أنه يكلمه سرًّا، وكان أسامة على حداثته فاضلاً ويستحق وعظ الأئمة.
          قوله: (لا أقول لرجل أنت) هذا من المعاريض والتحذير للأئمة من الجور، وقد علم فضل عثمان.
          قوله: (كنت آمر بالمعروف ولا أفعله) يعني: يكثر منه ويفعل يسيراً، ويكثر النهي ولا يرجع عنه.
          وقيل لابن جبير: أيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من فيه شيء؟ فقال: ومن يسلم من هذا. وقاله مالك.
          وقال الحسن لمطرف بن عبد الله بن الشخير: ألا تعظ الناس؟ قال: أخشى أن أقول ما لا أفعل. قال: يغفر الله لك، ود الشيطان أن لو ظفر منكم بمثل هذا، فالمأذون له في ذلك هو المتحدي بحدود الإسلام، ولا شك أنه لم يأمر وينه إلا من لا شيء فقد سقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأدى ذلك إلى قوله هذا، وهذا فاسد. وقد ذكر بعض الأصوليين: أن الصحيح من هذا ما عليه جماعة الناس؛ أن متعاطي الكأس يجب عليه نهي جماعة الناس. وقال مالك: ليس المتحدي بحدود الإسلام كاللاعب فيه الذي ينزو ويلعب.
          وقول أبي بكرة: (لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل) يريد قوله: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)).
          قوله: (ملكوا ابنة كسرى) هو بكسر الكاف وفتحها وهو لقب ملوك الفرس، وعبارة ابن خالويه: أنه اسم له.
          وأتى بقوله: ((لن يفلح..)) إلى آخره؛ لطاعتهم لعائشة، ذكر أن اللغط كثر يوماً وارتفعت أصواتهم، فقالت: صه. فكأنما قطعت الألسن. وذكر عن علي: قاتلت خمسة: أطوع الناس. يعني: عائشة، وأشجع الناس يعني: الزبير، وأمكر الناس يعني: في الحروب، يريد طلحة ابن عبيد الله، وأعبد الناس: يريد محمد بن طلحة، وأعطى الناس يعني: علي بن منبه. كان يعطي الرجل مائتي دينار، وهو واهب الجمل لعائشة واشتراه بمائتي دينار واسمه عسكر.
          واحتج به من منع قضاء المرأة وهو مذهبنا، ومشهور مذهب مالك.
          وولي عمر الشفاء أم سليمان خاتمة بالسوق، وقاله ابن جرير الطبري، يعني: فيما يجوز شهادتهن / فيه.
          وصعود الحسن على المنبر فوق عمار؛ لقرابته من رسول الله، ولأنه ابن الخليفة، وكان عمار من جلة الصحابة أيضاً، وهو من أهل بدر، وفيه أنزل: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} [النحل:106] وقتل يوم صفين.
          قوله: (إنها زوجة نبيكم) قدم فضلها قبل أن يخبر بما ابتلوا به منها، ودل قول أبي بكرة أنه لولا عائشة لكان مع طلحة والزبير؛ لأنه لو تبين له خطأها لكان مع علي. ومحاورة أبي مسعود وأبي موسى تبين لعمار أن الحق مع علي فقاتل معه، وأشكل على أولئك فتوقفوا.
          قال والدي ⌂:
          (باب قول النبي صلعم الفتنة من قبل المشرق).
          قوله: (قرن) هو الشروق وموضعه وناحية الشمس وأعلاها وقيل: الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها لتقع سجدة عبدتها له.
          قوله (أزهر) ضد الأسود ابن سعد السمان البصري، و(ابن عون) بالنون، و(لشامنا) يريد: إقليم الشام، و(يمننا) إقليم اليمن [و(الشام)] هو من شمال الحجاز واليمن من يمينه مر الحديث قبيل مناقب قريش، و(النجد) هو ما ارتفع من الأرض، و(الغور) ما انخفض [منها] ومن كان بالمدينة النبوية كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهلها ولعل المراد من الزلازل والاضطرابات هي الفتن التي بين الناس والبلايا ليناسب الفتن مع احتمال إرادة حقيقتها قيل إن أهل المشرق كانوا حينئذ أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من ناحيتهم كما أن وقعة الجمل وصفين وظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما والاها كانت من المشرق وكذلك يكون خروج الدجال ويأجوج ومأجوج منها وقيل القرن في الحيوان يضرب به المثل فيما لا يحمد من الأمور.
          قوله: (خالد) أي: ابن عبد الله الطحان، و(بيان) بفتح الموحدة وبتخفيف التحتانية وبالنون ابن بشر بالمعجمة الأحمسي بالمهملتين، و(وبرة) بفتح الواو والموحدة والراء ابن عبد الرحمن الحارثي.
          فإن قلت: حديث رسول الله صلعم كله حسن فلم قيده بالحسن؟ قلت: لعله أراد به ما كان فيه ذكر الرحمة لا ذكر الفتنة أو هو من باب الصفات اللازمة.
          قوله: (أبو عبد الرحمن) هو كنية ابن عمر، و(الثكل) هو فقدان الولد وهو وإن كان على صورة الدعاء عليه لكنه ليس مقصوداً ومر قصته في سورة البقرة وهي أنه قيل له في فتنة ابن الزبير ما يمنعك أن تخرج وقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193] فقال قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة أي: لأن قتالنا كان على الكفر وقتالكم على الملك.
          قوله: (ابن عيينة) يعني سفيان، و(خلف) بالمعجمة واللام المفتوحتين ابن حوشب بفتح المهملة والمعجمة وإسكان الواو وبالموحدة كان عابداً من عباد أهل الكوفة. قال (خ): أثنى عليه ابن عيينة وبقي إلى حدود الأربعين ومائة وقيل قائل هذه الأبيات امرئ القيس الكندي، و(الفتية) الشابة، و(الضرام) بكسر المعجمة ما اشتعل من الحطب، و(الشب) الإيقاد والارتفاع، و(الحليل) بفتح المهملة الزوج، و(الشمطاء) البيضاء التي تخالط السواد وجاز في أول، و(الفتية) أربعة أوجه نصبهما ورفعهما ونصب الأول ورفع الثاني والعكس، و(كان) إما ناقصة وإما تامة، و(فتية) مصغراً ومكبراً.
          قوله: (عمر بن حفص) بالمهملتين ابن غياث بكسر المعجمة وخفة التحتانية وبالمثلثة، و(لا يغلق) بالنصب، و(كما أعلم أن دون غد ليلة) أي: علماً ضروريًّا ظاهراً، و(الأغاليط) جمع: الأغلوطة وهي الكلام الذي يغلط به ويغالط فيه أي: [لا] شبهة فيه لأنه من معدن الصدق، و(أمرنا) أي: قلنا أو طلبنا.
          وفيه أن الأمر لا يشترط فيه العلو والاستعلاء. قال ابن بطال: أشار إلى قتل عمر وبالفتح الى موته وقال عمر: إذا كان بالقتل فلا تسكن الفتنة أبداً وكان حذيفة مهيباً وكان مسروق أجرأ على سؤاله لكثرة علمه وعلو منزلته ومر الشرح في أول مواقيت الصلاة مطنباً.
          فإن قلت: قال أولاً بينك وبينها باباً مغلقاً وآخراً هو الباب؟ قلت: المراد بين زمانك / أو حياتك وبينها إذ الباب بدن عمر وهو بين الفتنة وبين نفسه.
          قوله: (شريك) بفتح الشين، و(الحائط) هو بستان أريس بفتح الهمزة وكسر الراء وبالتحتانية والمهملة، و(القف) بضم القاف وهو البناء حول البئر وحجر في وسطها وشفيرها ومصبها، و(دلاهما) أي: أرسلهما فيها، و(كما أنت) أي: قف واثبت كما أنت عليه، و(البلاء) هو البلية التي صار بها شهيد الدار، و(مقابلهم) اسم مكان فتحاً واسم فاعل كسراً.
          فإن قلت: كيف خص عثمان بالبلاء وقد أصاب عمر حيث استشهد؟ قلت: لم يمتحن مثل محنة عثمان من التسلط عليه ومطالبة خلع الإمامة والدخول على حرمه ونسبة القبائح إليه.
          قوله: (تأولت) أي: فسرت ذلك بقبورهم وذلك من جهة كونهما مصاحبين له مجتمعين عند الحفرة المباركة التي هي أشرف بقاع الأرض لا من جهة أن أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار وأما عثمان فهو في البقيع مقابلاً لهم ومر [في] مناقب أبي بكر ☺.
          قوله: (بشر) بالمعجمة ابن خالد العسكري، و(أسامة) هو ابن زيد حب رسول الله صلعم، و(ألا تكلم) فيما وقع من الفتنة بين الناس والسعي في إطفاء ثائرتها، وقيل: المراد التكلم في شأن الوليد بن عقبة بسكون القاف وما ظهر منه من شرب الخمر، و(هذا) أي: عثمان، و(كلمته ما دون) أي: شيئًا دون أن أفتح باباً من أبواب الفتن أي: كلمته على سبيل المصلحة والأدب والسر بدون أن يكون فيه تهييج للفتنة ونحوها وكلمة (ما) موصوفة أو موصولة.
          قوله: (فيطحن) بلفظ المعروف، و(يطيف) بمعنى يطوف مر في كتاب بدء الخلق في باب صفة النار.
          قوله: (عثمان ابن الهيثم) بفتح الهاء وإسكان التحتانية وفتح المثلثة، و(عوف) بالفاء المشهور بالأعرابي، و(أيام الجمل) بالجيم أي: زمان مقاتلة علي وعائشة ☻ بالبصرة وسمي به لأنها كانت على جمل حينئذ، و(فارسا) منصوب في النسخ وقال ابن مالك: الصواب عدم الصرف أقول هو يطلق على الفرس وعلى بلادهم فعلى الأول يجب الصرف إلا أن يقال المراد القبيلة وعلى الثاني جاز الأمران كسائر البلاد.
          و(ابنة كسرى) اسمها بوران بضم الموحدة وإسكان الواو وبالراء والنون وكان مدة ملكها سنة وستة أشهر، و(كسرى) بفتح الكاف وكسرها ابن قباد بضم القاف وخفة الموحدة، قال المهلب: المعروف أن أبا بكرة كان على رأي عائشة فتفاءل ببنت كسرى أنهم سيغلبون لأن الفلاح هو البقاء لا أنه وهن رأيها.
          قوله: (أبو بكر بن عياش) بالمهملة وشدة التحتانية وبالمعجمة المقرئ، و(أبو حصين) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية عثمان الأسدي، و(عبد الله بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتانية الأسدي الكوفي لم يتقدم، و(عمار) بفتح المهملة وشدة الميم ابن ياسر ضد العاسر العنسي بالمهملتين والنون بينهما من السابقين الأولين قتل بصفين بتشديد الفاء المكسورة، و(إياه) أي: علي ☺.
          فإن قلت: المناسب له أن يقول لعائشة إياها لا هي؟ قلت: الضمائر يقوم بعضها مقام البعض.
          فإن قلت: الله تعالى عالم أبداً وأزلاً بما كان وما هو كائن وسيكون؟ قلت: المراد به العلم الوقوعي أو تعلق العلم أو إطلاقه على سبيل المجاز عن التمييز أي: ليميز لأن التمييز لازم العلم.
          قوله: (ابن أبي غنية) بفتح المعجمة وكسر النون وشدة التحتانية عبد الملك الكوفي أصله من أصبهان لم يسبق ذكره، و(الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة الدار، و(ابتليتم) بالمجهول أي: امتحنتم بها.
          قوله: (بدل) بفتح الموحدة والمهملة (ابن المحبر) بلفظ مفعول التحبير بالمهملة والموحدة والراء اليربوعي، و(عمرو) هو ابن مرة بضم الميم وشدة الراء، و(أبو مسعود) هو عقبة بضم المهملة وإسكان القاف وبالموحدة البدري الأنصاري مات بعد علي، و(أبو موسى) هو عبد الله الأشعري، و(يستنفرهم) أي: يطلب منهم / الخروج لعلي على عائشة ☻، و(كساها) ضمير الفاعل راجع إلى أبي مسعود وإن كان على خلاف الظاهر لكن يجب الحمل عليه بقرينة الحديث الذي بعده.
          قوله: (عبدان) بالمهملتين وسكون الموحدة، و(أبو حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون، و(شقيق) بفتح المعجمة وكسر القاف الأولى ابن سلمة بالمفتوحتين أبو وائل، و(لقلت فيه) أي: لقدحت فيه بوجه من الوجوه، و(أعيب) أفعل التفضيل، و(هذا الأمر) أي: ترغيب الناس في الخروج للقتال.
          فإن قلت: الإبطاء فيه كيف يكون عيباً؟ قلت: لأنه تأخر عن امتثال مقتضى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10].
          والمراد: بصاحبك هو أبو موسى، و(الحلة) هي إزار ورداء ولا يكون حلة إلا من ثوبين وألبس عمارا الحلة ليخلع ثياب السفر وأبا موسى لئلا يكسو عماراً دونه بحضوره.
          وفيه أنه كان يوم جمعة.
          الزركشي:
          (عائذاً بالله) بالنصب على الحال؛ أي: يقول ذلك عائذاً بالله، أو على المصدر؛ أي: عياذاً، وبالرفع على جعل الفاعل موضع المفعول كقولهم: سر كاتم، أي: أنا عائذ.
          (وبرة) بفتح الواو والباء بوزن شجرة، قاله ابن عبد البر، وهو المشهور، وقال القاضي: ضبطناه في (م) بالإسكان.
          (فبادرنا إليه) بفتح الراء.
          (ثكلتك أمك) بكسر الكاف؛ أي: فقدتك.
          (الحرب أول ما تكون فتية) كذا على التصغير، أي: شابة، ورواه بعضهم: ((فتية)) بفتح الفاء، ويجوز فيه أربع أوجه: رفع ((أول)) ونصب ((فتية))، وعكسه، ورفعهما جميعاً، ونصبهما جميعاً.
          فمن رفع ((أول)) نصب ((فتية)) فتقديره: الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية، فـ((الحرب)) مبتدأ، و((أول)) مبتدأ ثان، و((فتية)) حال تسد مسد الخبر والجملة: خبر ((الحرب)) ومن نصب ((أول)) ورفع ((فتية)) فتقديره: الحرب في أول أحوالها فتية فالحرب مبتدأ، و((فتية)) خبرها وأول نصب على الظرف.
          ومن رفع ((أول))، و((فتية)) فتقديره: الحرب أول أحوالها فـ((أول)) مبتدأ ثان، أو بدل من ((الحرب))، و((فتية)) خبر، وإن كان مذكراً لأنه مضاف إلى مؤنث وهو بعضه وهو ((فتية)) فأنث لذلك خبره.
          ومن نصبهما جميعاً جعل ((أول)) ظرفاً، و((فتية)) حالاً، والتقدير: الحرب في أول أحوالها إذا كانت فتية ويسعى خبر عنها، أي: الحرب في حال ما هي فتية، أي: في وقت وقوعها تغر من لم يجربها حتى يدخل فيها فتهلكه.
          (تسعى بزينتها لكل جهول) كذا رواه، ورواه سيبويه: ((ببزتها))، والبزة اللباس، وأصله من بززت الرجل أبزه إذا سلبته، فسمي اللباس بما يؤول إليه من السلب.
          (حتى إذا اشتعلت) يجوز في ((إذا)) أن تكون شرطية وجوابها [((ولت))]، وأن تكون ظرفية.
          (وشب ضرامها) يقال: شب النار إذا أوقدها فتلألأت ضياء ونوراً.
          (ولت عجوزا غير ذات خليل) يروى بالخاء المعجمة وبالمهملة.
          (شمطاء) سوداء، وهي بالنصب صفة لعجوز.
          (قف البئر) بضم القاف: الركية التي تجعل حولها، وأصل القف ما غلظ من الأرض وارتفع، وهو من القف اليابس لأن ما ارتفع حول البئر يكون يابساً في الغالب.
          (فيطيف به) ويطوف بمعنى، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (إن فارساً) في بعض النسخ مصروف، وفي بعضها: غير مصروف، والصواب: عدم الصرف.


[1] في هامش الخطوط: ((أقول: فإن قلت: كأن الظاهر أن يكون قتل عثمان باب الفتنة لا قتل عمر فإن قتل عمر لم يحصل بعده فتنة وإنما تولى عثمان واستقر أمر المسلمين ولم يحصل لهم شر إلى أن قتل عثمان فثار بعده الفتن كوقعة الجمل وصفين وغيرهما)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: قال لي بعض الناس كان من الممكن أن يقوم علي وبنوه وبنو هاشم ومن والاه من الصحابة ويقفوا على باب عثمان ويمنعوا من رام قتله ولكن إنهم ما كانوا قادرين على معاونة علي ومن معه فهذا الذي نسب إلى علي إلى أنه مصر في درء القتلة عن عثمان ونشب من ذلك وقعة الجمل وصفين وغيرهما)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: سلف أن النبي صلعم لما كان على أحد ومعه الصديق والفاروق فقال اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيد، وفي رواية: وشهيدان لما كان عثمان معهم فكيف كان يسأل حذيفة أمنهم أنا؟ يعني من المنافقين؟ قلت: كان يقوله: خوفاً وحذراً من الشيطان ألا يتسلط عليه فيفعل فعلاً يشبه شبه المنافقين أو كان تواضعاً وهضماً لنفسه أو لغير ذلك والله أعلم بمراده من قوله)).