مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول النبي: لا ترجعوا بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض

          ░8▒ باب قول النبي صلعم: ((لا ترجعوا بعدي كفارا))
          فيه أحاديث:
          1- حديث شقيق قال عبد الله: قال النبي صلعم: ((سباب المسلم فسوق)).
          2- حديث ابن عمر وابن عباس وجرير وأبي بكرة مرفوعاً بمتن الباب، لكن لفظ ابن عباس: ((لا ترتدوا)) بدل: ((لا ترجعوا)) قال جرير.. إلى آخره.
          الرجل الآخر هو حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري، سماه ابن عامر، عن قرة، عن ابن سيرين.
          وأبو بكرة اسمه نفيع أخو نافع وزياد، أمهم سمية مولاة الحارث بن كلدة، وقيل: أبوه مسروح، وأن الحارث استلحقه، وكان تدلى إلى رسول الله يوم الطائف ببكرة فقيل له: أبو بكرة، فأعتقه رسول الله، / والعتقاء من ثقيف والطلقاء من قريش.
          وفي سند حديث ابن عمر واقد، عن أبيه، عن ابن عمر، وهو واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، اتفقا عليه، وانفرد (م) بواقد بن عمرو بن سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي لا ثالث لهما.
          وشيخ (خ) في حديث ابن عباس محمد بن إشكاب، وهو أبو جعفر محمد بن الحسن بن إبراهيم بن الحر بن زغلان العامري(1) النسائي الأصل البغدادي، أخو أبي الحسن علي الأكبر، وإشكاب لقب لأبيهما الحسن، روى عن محمد (خ) (د) (ن)، ولد سنة إحدى وثمانين ومائة، ومات سنة إحدى وستين ومائتين. وروى عن أخيه علي الكبير (د) (ن) (ق)، وقال (ت): ثقة، ومات في شوال سنة إحدى وستين ومائتين، ومات (خ) قبلهم ليلة السبت يوم الفطر منه سنة ست وخمسين.
          هذا الباب في معنى الذي قبله، فيه النهي عن قتل المؤمنين بعضهم بعضاً، وتفريق كلمتهم، وتشتيت شملهم، وليس معنى قوله: ((لا ترجعوا بعدي كفارا)) النهي عن ضد الإيمان، وإنما المراد كفر حق المسلم على المسلم الذي أمر به من التناصر والتعاضد، والكفر في لسان العرب التغطية، وكذلك قوله: ((قتاله كفر)) يعني: بحقه وترك موالاته ونصره؛ للإجماع على أن المعاصي لا يكفرون بارتكابها، وقيل: المعنى: لا يكفر بعضكم بعضاً فتستحلوا أن تقاتلوا ويضرب بعضكم رقاب بعض. وقيل: إنه أراد بالحديث أهل الردة. حكاهما الخطابي.
          قال موسى بن هارون: هؤلاء أهل الردة قتلهم أبو بكر، وسلف في باب الخطبة في أيام منى من كتاب الحج.
          قال المهلب: وابن الحضرمي رجل امتنع من الطاعة فأخرج إليه جارية بن قدامة جيشاً فظفر به في ناحية من العراق، وكان أبو بكرة يسكنها، فأمر جارية بصلبه فصلب، ثم ألقى النار إلى جذع الذي صلب فيه بعد أيام، ثم أمر جارية من(2) حشمه أن يشرفوا على أبي بكرة؛ ليختبر إن كان يحارب فيعلم أنه على غير طاعة أو يستسلم فيعرف أنه على طاعة، فقال له حشمه: هذا أبو بكرة يراك وما صنعت في ابن الحضرمي ربما أنكر عليك بكلام ولا سلاح، فلما سمع أبو بكرة ذلك وهو في علية له؛ فقال: لو دخلوا علي داري ما بهشت بقصبة، فكيف أن أقاتلهم بسلاح؛ لأني لا أرى الفتنة في الإسلام، ولا التحرك فيها معنى إحدى الطائفتين.
          قال ابن عبد البر: أرسل معاوية عبد الله بن الحضرمي ليأخذها له من زياد، وكان أميراً بها لعلي، فكتب زياد إلى علي، فأرسل إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل غيلة، فبعث علي بعده جارية بن قدامة، فأحرق علي بن الحضرمي الدار التي يسكنها، وكان ينزل في بني تيم في دار ابن شبيل.
          ومعنى: (ما بهشت بقصبة): ما مددت يدي إليها، ولا تناولتها لأدفع بها. وعبارة صاحب ((الواعي)): يريد ما بادرت ولا حرمت. وقيل معناه: ما قاتلت. قاله عياض، وهو بموحدة ثم شين معجمة.
          وقال الطبري: معناه ما تناولتهم ولا مددت يدي إليهم بسوء، يقال للإنسان إذا نظر إلى الشيء فأعجبه واشتهاه وتناوله وأسرع إليه: بهش إلى كذا. ويقال للرجل إذا أراد معروف الرجل أو أراد مكروهه وتعرض لخيره أو شره. بهش فلان إلى كذا وكذا، وقال ابن التين: أي: ما قمت إليه. قال الجوهري: بهش يبهش بهشاً إذا ارتاح له وخف إليه، وهو بفتح الهاء. قال ابن التين: ورويناه بكسرها، قال: وقيل معناه: ما رميت بقصبة، وقيل: ما تركت. وقال بعضهم: البهش: المسارعة إلى أخذ الشيء.
          قوله: (يضرب بعضكم رقاب بعض) من جزم الباء من ((يضرب)) أوله على الكفر الحقيقي الذي فيه ضرب الأعناق، ومن رفعها فكأنه أراد الحال أو الاستئناف، فلا يكون متعلقاً بما قبله.
          قوله: (أي يوم هذا؟) كان بمنى، وكان هذا في خطبته كالوداع؛ فسميت حجة الوداع لذلك.
          قوله: (كحرمة يومكم..) إلى آخره يعني: حرمة الظلم / لأن الظلم في الحرم وإثمه أعظم من إثم الظلم في غيره.
          قوله: (وأبشاركم) هو جمع بشر، وهو ظاهر جلد الإنسان، وأما البشر الذي هو الإنسان فلا يثنى ولا يجمع؛ قال القزاز: وأجاز قوم تثنيته فقط؛ لقوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون:47].
          قوله: (فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي) بخط الدمياطي: (الوجه) أحرق وأحرقه.


[1] في المخطوط: ((المعافري)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في المخطوط: ((أن)) ولعل الصواب ما أثبتناه.