مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم

          ░9▒ بابٌ تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم
          فيه حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((ستكون فتن..)) الحديث.
          زاد الإسماعيلي: ((والنائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد))، ولمسلم: ((واليقظان فيها خير من النائم)).
          ولأبي داود: ((المضطجع فيها خير من الجالس، والجالس خير من القائم)).
          ويريد: القاعد عنها خير من القائم الذي لا يستشرفها. قال الداودي: والظاهر أنه إنما أراد أن يكون فيها قاعداً قال: والقائم خير من الماشي في أسبابه لأمر دونها، فربما وقع في شيء يكرهه بمشيئة أو يضره.
          قال: وقوله: (من تشرف لها) أي: دخل في شيء بها، قال: وقوله: ((يستشرفه)) معناه: من دخل منها، وانتصب قبلته، ويكون من أشرف لها، الإشراف على حاله من خير أو شر. يقال: أشرف المريض إذا أشفى على الموت ويقال: هم على شرف من كذا، ويقال: استشرفته؛ أي: أهلكت ما أشرف منه وأصابته؛ قال: وروي في حديث: ((إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وإنها أقرب إلى الله إذا كانت في قعر بيتها)).
          قوله: (فمن وجد ملجأ أو معاذاً) معناهما واحد، ومعاذ بالفتح، قال ابن التين: ورويناه بضمها.
          فإن قلت: ما معنى حديث الباب، وهل المراد به كل فتنة بين المسلمين أو بعض الفتن دون بعض؟ وعلى الأول ما تقول في الفتن الماضية وقد علمت أنه نهض فيها من خيار الناس خلق كثير.
          وإن قلت: الثاني، فما المعنى به، وما الدليل على ذلك؟ أجاب الطبري بأنه قد اختلف السلف في ذلك؛ فقال بعضهم: المراد به جميع الفتن وعليه الاستسلام ولزوم البيوت، وهي التي قال الشارع فيها: ((القاعد خير من القائم))، وممن قعد فيها: حذيفة ومحمد بن مسلمة وأبو ذر وعمران بن حصين وأبو موسى الأشعري وأسامة بن زيد وأهبان بن صيفي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو بكرة، ومن التابعين: شريح والنخعي.
          ثم ذكر حجتهم من طريق النظر وهو التأويل، وإن كان خطأ كالمجتهد، والواجب إذا اقتتل حزبان من المسلمين بهذه الصفة ترك المعاونة ولزوم البيت، كما أمر الشارع أبا ذر ومحمد بن مسلمة وابن عمر وما عمل به من تقدم من الصحابة.
          وقال آخرون: إذا كانت فتنة بين المسلمين فالواجب لزوم البيوت، وترك معونة أحد الحزبين، نعم يدفع وإن أتى على النفس وهو شهيد. روي ذلك عن عمران بن حصين وابن عمر وعبيدة السلماني.
          وقال آخرون: كل فرقتين اقتتلا، فإن كانتا مخطئتين فعلى المسلمين الأخذ على أيديهم والعقوبة وإن أخطأت إحداهما فالواجب الأخذ على الأولى ومعونة الثانية، روي ذلك عن علي وعمار وعائشة وطلحة ورواية عن ابن عمر.
          وقال آخرون: كل قتال وقع بين المسلمين ولا إمام لجماعتهم يأخذ المظلوم من الظالم فذلك القتال هو الفتنة التي أمر الشارع بالاختفاء في البيوت فيها، وكسر السيوف، سواء كانا مخطئين أو إحداهما. روي ذلك عن الأوزاعي.