مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ذكر الدجال

          ░26▒ باب ذكر الدجال
          ذكر فيه أحاديث:
          1- حديث المغيرة قال: ما سأل النبي صلعم أحد عن الدجال.. الحديث.
          2- حديث نافع، عن ابن عمر أراه، عن النبي صلعم قال: ((هو أعور العين اليمنى)).
          3- حديث أنس أن النبي صلعم قال: ((يجيء الدجال حتى ينزل في ناحية المدينة)).
          4- حديث أبي بكرة، عن النبي صلعم قال: ((لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال)).
          5- حديث ابن عمر قام النبي صلعم في الناس.. الحديث.
          6- حديث عائشة سمعت رسول الله يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال.
          7- حديث حذيفة، عن رسول الله قال في الدجال: ((إن معه ماء وناراً)).
          8- حديث أنس قال: قال النبي صلعم: ((ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب)).
          هاهنا أسولة.
          أحدها: ما معنى قوله ◙: ((ترجف المدينة ثلاث رجفات)). وقد قال في حديث أبي بكرة: ((إنه لا يدخل المدينة رعب المسيح))؟.
          قلت: أجاب عنه المهلب: أنها ليست من رعبه ولا من خوفه، وإنما ترجف لمن يتشوق إليه من المنافقين، فيخرجهم أهل المدينة، كما قال ◙: ((إنها تنفي خبثها)).
          والدليل على أن المؤمنين فيها لا يرعبون من الدجال أنه يخرج إليهم منه رجل يناظره، وهو الذي يقول له الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته الحديث.
          فهل يدخل رعبه المدينة وأحدهم يناظره وينازعه ويجهر له بأنه الدجال، ولا يوهن قلبه ما يراه من قدرة الله التي أقدره على أن يقتل رجلاً ثم يحييه، ولا يخاف على مهجته وهو وحده لا يمتنع منه بعدد ولا عدد ولا جماعة.
          السؤال الثاني: إذا سلط الدجال على قتل ذلك الرجل وإحيائه، فهو دليل على أن الله يعطي آيات أنبيائه وقلب الأعيان أهل الكذب على الله وأشد أعدائه فرية عليه.
          فأجاب الطبري: بأنه لا يجوز أن يعطى أعلام الرسل أهل الكذب والإفك في الحال التي لا سبيل لمن عاين ما أتى به الفريقان إلا الفصل بين المحق منهم والمبطل، فأما إذا كان لمن عاين ذلك السبيل إلى علم الصادق ممن ظهر ذلك على يده من الكاذب، فلا ينكر إعطاء الله ذلك للكذابين لعلة من العلل، الذي أعطى الدجال من ذلك فتنة لمن شاهده، ومحنة لمن عاينه، ليعلم الله الذين صدقوا، ويعلم الكاذبين.
          الثالث: ما السبب الذي يصيب به من عاين ما يظهر من ذلك على يد الدجال أنه مبطل؟ جوابه: أبين الأسباب في ذلك أنه ذو أجزاء مؤلفة، وتأليفه عليه بكذبه مشاهد، وأن تأثير الصنعة فيه لمن ركب أعضاءه خلق ذليل وعبد مهين مع آفة به لازمة من عمه إحدى عينيه، يدعو الناس إلى الإقرار بأنه ربهم الذي خلقهم فأسوأ حالات من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليسوي خلق غيره ويعدله ويحسنه وهو عن دفع العاهات عن نفسه غير قادر، وأقل ما يجب أن يقول له من يدعوه إلى الإقرار له بالألوهية: إنك تزعم أنك خالق السماوات والأرض وما فيها وأنت أعور ناقص الصورة فصور نفسك وعدلها على صورة من أنت في صورته إن كنت محقًّا في ذلك، فإ[ن] زعمت أن الرب لا يحدث في نفسه شيئاً، فإنك راكب من الخطايا أرذلها، فتحول من الجماد إلى أشرف منه، إدراك ما هو مكتوب بين عينيك من الكتاب الشاهد على كذبك؟!
          قال المهلب: وأما قوله في حديث المغيرة: إنهم يقولون: معه جبل خبز ونهر ماء، فقال ◙: ((هو أهون على الله من ذلك)). يريد والله أعلم: / أهون على الله من أن يفتتن الناس؛ بهلكة معايش أرزاقهم فتعظم بذلك فتنتهم، بل تبقى عليه ذلة العبودية بتحويجه إلى معالجة المعايش، وقد ملكه ما لا يضر به إلا من قضى الله له بالشقاء في أم الكتاب، وإنما يوهم الناس أن هذه نار يشير إليها؛ ليخافه من لا بصيرة له في دين الله فيتبعه مخافة على نفسه، ولو أمعن(1) النظر لرأى أنها ماء بارد، وكذلك لما توهن به وهو ماء لمن لا بصيرة له، ولا عنده علم بما قدمه الرسول من العلم لأمته بأن ناره ماء، وماؤه نار، ومن أعطي فتنته ثم جعل له على تلك الفتنة علم بطلانها ومحالها لم تكن فتنة شاملة ولا يفتتن بها [إلا] الأقل لافتضاحها بأول من يلقي فيها، فيجدها بخلاف ما أوهم فيها، ولولا انتقاله من بلد إلى بلد؛ لأمنت تلك الفتنة إلا على الأول لكنه يرد كل يوم بلدة لا يعرف أهلها ما افتضح من أمره في غيرها فيظل يهن، ويعصم الله العلماء منه ومن علم علامة الشارع وثبته الله تعالى، فاستدل بأن من كان ذا عاهة لا يكون إلهاً، فقد بان أنه أهون على الله من أن يمكنه من المعجزات تمكيناً صحيحاً؛ لأن إقداره على قتل الرجل وإحيائه لم يستمر له في غيره، ولا استضر به المقتول إلا ساعة ألمه، وقد لا يجد لقتله ألماً؛ لقدرة الله على دفع ألمه عنه، فإن آلمه آجره الله بذلك في الآخرة، وإن لم يؤلمه فقد أدام له الحياة بإحيائه، ثم لا يسلط على قتل أحد ولا إحيائه.
          ذكر علي بن معبد بسنده عن ابن مسعود قال: ((إن الدجال يرحل في الأرض أربعين ليلة)).
          وعن أبي مجلز قال: ((إذا خرج الدجال فالناس ثلاث فرق: فرقة تقاتله، وفرقة تفر منه، وفرقة تشايعه، فمن تحرز منه في رأس جبل أربعين ليلة أتاه رزقه، وأكثر من يشايعه أصحاب العيال يقولون: إنا لنعرف ضلالته، ولكن لا نستطيع ترك عيالنا فمن فعل ذلك كان منه)).
          وذكر الطبري بإسناده عن أبي أمامة مرفوعاً أنه حدثهم عن الدجال: ((أنه يخرج بين الشام والعراق فيقول: إنه نبي ثم يثني فيقول: أنا ربكم. وإنه يأتي بجنة ونار، فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستعن بالله فإنها تكون عليه برداً وسلاماً، ومن ابتلي به فليقرأ فواتح سورة الكهف، وليتفل في وجهه فإنه لا يعدو ذلك، ويقتل رجلاً ثم يحييه وليس يحيي أحداً بعده، وأن له أربعين يوماً يوم كالسنة، ويوم كالشهر، ويوم كجمعة، ويوم كسائر الأيام، ويعدو الرجل من باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى تغيب الشمس)).
          وذكر ابن أبي شيبة بإسناده عن عائشة مرفوعاً قال: ((يخرج مع الدجال يهود أصبهان، فيقتله عيسى بن مريم بباب لد، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة أو قريباً منها إماماً عدلاً وحكماً مقسطاً)).
          قال ثعلب: الطافية: العنبة التي خرجت عن حد بنية أخواتها فعلت ونتأت وظهرت، يقال: طفا الشيء إذا على وظهر، ومنه الطافي من السمك.
          قلت: من همز أراد أنها ذهب ضوؤها، ومن لم يهمز أراد أنها ممسكة قد طفيت وبرزت.
          واختلف لم سمي الدجال دجالاً: فقال ثعلب: الدجال المموه وهو الكذاب، سيف مدجل إذا طلي بذهب. وقال ابن دريد: لأنه يغطي الحق بالكذب وهو نحو الأول.
          واحتج به المالكية على تفضيل المدينة على مكة بحراستها دون غيرها.
          ورجفات: بفتح الجيم؛ لأن فعلة إذا كان اسماً كان جمعه فعلات بتحريك العين من الاسم مثل حفنات وتمرات، إلا أن تكون عينه حرف علة مثل جوزات وحمرات وحومات، فسكنوا الواو، وإن كانت صفة كانت العين مسكنة / مثل ضخمة وضخمات وصعبة وصعبات.
          قوله: (فإذا رجل آدم) أي: أسمر، قاله في ((الصحاح))، و((المجمل)).
          قوله: (سبط الشعر) هو بكسر الباء، وفي ((الصحاح)) سبط وسِبط؛ أي: مسترسل.


[1] في المخطوط: ((أنعم)) ولعل الصواب ما أثبتناه.