مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب القائف

          ░31▒ باب القائف
          فيه حديث عائشة قالت: إن رسول الله صلعم دخل علي مسروراً.. الحديث.
          وعنها قالت: دخل علي رسول الله ذات يوم.. الحديث.
          فيه إثبات الحكم بالقافة، وممن قال به أنس بن مالك؛ وهو أصح الروايتين عن عمر، وبه قال عطاء، وإليه ذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وأبو ثور.
          وخالف الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والكوفيون، فقالوا / : الحكم بها باطل؛ لأنها تخرص وحدس، ولا يجوز ذلك في الشريعة.
          قالوا: وليس في حديث الباب حجة في إثبات الحكم بها؛ لأن أسامة قد كان ثبت نسبه قبل، فلم يحتج الشارع في ذلك إلى قول أحد، ولولا ذلك لما كان دعاء أسامة فيما تقدم إلى أبيه زيد، وإنما تعجب من إصابة مجزز كما يتعجب من ظرف الرجل الذي يصيب بظنه حقيقة الشيء، ولا يجب الحكم بذلك وترك الإنكار عليه؛ لأنه لم يتعاطى بقوله إثبات ما لم يكن ثابتاً فيما تقدم، هذا وجه الحديث كما زعمه الطحاوي؛ ولأن عائشة قالت: كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء، فمنه أن يجتمع الرجال ذوو العدد على المرأة لا تمنع من جاءها، وهن البغايا فيطؤها كل من دخل عليها، فإذا حملت ووضعت جمع لها القافة، فأيهم ألحقوه به صار أباه لا يمتنع من ذلك، فلما بعث الله محمداً هدم نكاح الجاهلية وأقر نكاح الإسلام.
          قال: وروي عن عمر وعلي نحوه مما يدل على ما ذكرنا، قال الأولون: لو كان قول مجزز على جهة الظن والحدس، وعلى غير سبيل الحق والقطع بالصحة، لأنكر ذلك الشارع عليه، ولقال له: وما يدريك؟ ولم يسر بذلك؛ لأنه ليس من صفته أن يسر بأمر باطل عنده لا يسوغ في شريعته، وكان أسامة أسود وزيد أبيض، فكان المشركون يطعنون في نسبه، وكان يشق ذلك على رسول الله فسر بذلك لمكانهما منه، وقد كانت تعرف من صحة القافة في بني مدلج وبني أسد ما قد شهر عنهما، ثم وردت السنة بتصحيح ذلك فصار أصلاً، والشيء إنما يصير شرعاً إما بالقول أو بالفعل أو بالإقرار، فلو كان إثبات النسب من جهته باطلاً لم يجز أن يقر عليه مجززاً، بل كان ينكره عليه، ويقول: هذا باطل في شريعتي، فلما لم ينكره وسر به كان سنة.
          فمذهب مالك في المشهور عنه أن الحكم بالقافة ثابت في أولاد الإماء دون الحرائر، كذا في ابن بطال، وقال ابن التين: لم يختلف مذهبه فيه، واختلف في الحرائر.
          وفي ((المدونة)): لا يحكم بها في ذلك.
          وروى ابن وهب عنه: أن الحكم بها في ولد الزوجة وولد الأمة، وهو قول الشافعي.
          روى أشهب وابن نافع عن مالك: أنه لا يؤخذ إلا بقول قائفين، وهو قول الشافعي. وقال ابن القاسم: إن الواحد يجزئ.
          فإن ألحقته بهما ترك حتى يكبر فيوالي من شاء، وقيل: يكون ابنا لهما فإن قالوا ليس هو لواحد فيكون ابناً لهما جميعاً، وقيل: يرجع إلى قافة أخرى، وعندنا: يترك إلى أن يبلغ.
          و(مجزز) بضم الميم وفتح الجيم، قال الزبير بن بكار: قيل له ذلك؛ لأنه كان إذا أخذ أسيراً حلق لحيته أو جزها.
          و(أسارير وجهه): خطوط بين الحاجبين وقصاص الشعر. قال النحاس: واحدها سر. وفي ((الصحاح)): السرر: واحد أسرار الكف والجبهة، وهي خطوطها، وجمع الجمع: أسارير، وروي عن عائشة أنها قالت: دخل علي رسول الله تبرق أكاليل وجهه. جمع إكليل: وهي ناحية الجبهة وما يتصل بها من الجبين، وذلك أن الإكليل إنما يوضع هناك، وكل ما أحاط بالشيء وتكلله من جوانبه فهو إكليل، عن الخطابي.
          قوله: (آنفاً) أي: الساعة، من قولك: استأنفت [الشيء]: أي: ابتدأته، ومنه قوله تعالى: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [محمد:16]، أي: في أول وقت يقرب منا.
          قال والدي ⌂:
          (باب إذا أسلم على يديه) وكان الحسن البصري لا يرى لمن أسلم على يديه ولاية على ذلك المسلم يعني لا يكون له ولاؤه ويذكر عن تميم بن أوس الداري بالمهملة وبالراء قال سألت رسول الله صلعم ما السنة في الرجل يسلم على يدِ رجل قال هو أولى الناس بمحياه ومماته.
          فإن قلت: [ما] / مرجع الضمير في رفعه؟ قلت: إلى حديث إذا أسلم على يديه بقرينة الترجمة وهو الذي ذكره بعده وهو أولى الناس.
          واختلف أهل الحديث في صحته ولهذا ذكر (خ) في التعليق بصيغة التمريض ومن صححه أوله بأنه أولى به في حياته بالنصرة وفي مماته بالغسل والصلاة عليه والدفن لا في ميراثه لأن الولاء لمن أعتق خصصه بالمعتق.
          فإن قلت: ما وجه تعلق حديث بريرة بالترجمة؟ قلت: اللام للاختصاص يعني: الولاء مختص بمن أعتقه وبذل المال في إعتاقه.
          قوله: (محمد) قال الغساني: هو محمد بن سلام إن شاء الله تعالى، و(جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد، و(الورق) بكسر الراء الدراهم المضروبة يعني: أعتقه بعد إعطائه، و(قال) أي: الأسود كان زوجها حرًّا وهو مرسل.
          قوله: (حفص) بالمهملتين، و(همام) هو ابن يحيى، و(ابن سلام) بالتخفيف على الأشهر محمد، و(وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف وبالمهملة، و(معاوية بن قرة) بضم القاف وشدة [الراء] المزني البصري.
          قوله: (مولى القوم) أي: عتيقهم منهم في النسبة إليهم والميراث منه وابن أخت القوم منهم في أنه يرثهم توريث ذوي الأرحام.
          قوله: (شريح) مصغر الشرح بالمعجمة والراء والمهملة ابن الحارث القاضي.
          قوله: (عدي) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية ابن ثابت الأنصاري، و(أبو حازم) بالمهملة والزاي سلمان، و(كلا) أي: عيالاً.
          قوله: (إذا أسلم) غرض (خ) الرد على طائفة قالوه ورواية عن الإمام أحمد أنه يستحق الميراث إذا أسلم قبل قسمة التركة، وذلك لأن الاعتبار بوقت الموت لا بوقت القسمة.
          قوله: (عمرو بن عثمان) ابن عفان القرشي الأموي وكل من رواه عن ابن شهاب قال عمرو بالواو إلا مالكاً فإنه قال عمر، ولم يختلفوا أنه كان لعثمان ابن يسمى عمر والآخر يسمى عمراً إلا أن هذا الحديث كان لعمرو عند الجماعة. قال الكلاباذي: وهم مالك فيه فقال عمر بدون الواو.
          فإن قلت: في عدم توريث المسلم عن الكافر تنفير للشخص عن الإسلام رجاء الإرث عن الكافر؟ قلت: قطع الله تعالى الولاء بين المسلم والكافر ووعد المسلم ما هو خير منه ثواب الآخرة وغلبة المسلمين على الكافرين في الدنيا بحيث لو غلب الأخ المسلم مثلاً في دار الحرب على أخيه الوارث ملك رقبته وماله ونحو ذلك، وفي الجملة: الآخرة خير وأبقى.
          قوله: (وليدته) أي: أمته، و(لم ير) أي: ذلك الغلام واسمه عبد الرحمن (سودة) زوج رسول الله صلعم وكان ذلك تورعاً مر الحديث آنفاً.
          فإن قلت: هاهنا ثلاث تراجم متوالية: (باب ميراث العبد النصراني) (باب إثم من انتفى من ولده) (باب من ادعى أخا أو ابن أخ) فالحديث لأي ترجمة من التراجم؟ قلت: الحديث ظاهر في باب من ادعى أخاً.
          وهذا مما يؤيد ما ذكروا أن (خ) ترجم الأبواب وأراد أن يلحق بها الأحاديث فلم يتفق له وخلى بين الترجمتين بياضاً والنقلة ضموا البعض إلى البعض.
          قوله: (خالد) الأول هو ابن عبد الله والثاني ابن مهران الحذاء، و(أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي كان يصلي حتى يغشى عليه، و(ادعى) أي: انتسب وهو يعلم لا بد من هذا القيد، فإن الإثم يتبع العلم.
          فإن قلت: الجنة حرمها الله على الكافرين؟ قلت: هذا والحديث الذي بعده أولوهما بأنه في حق المستحل أو بكفران النعمة وإنكار حق الله تعالى وحق أبيه، أو هو للتغليظ نحو ومن كفر فإن الله غني.
          قوله: (فذكرته) أي: قال أبو عثمان ذكرت الحديث لأبي بكرة بفتح الموحدة، واسمه: نفيع مصغر ضد الضر الثقفي، و(عمرو) هو ابن الحارث، و(حفص بن ربيعة) بفتح الراء والرجال الأربعة مصريون، و(عراك) بكسر المهملة / وخفة الراء ابن مالك الغفاري بكسر المعجمة وبالفاء الخفيفة مر الحديث في مناقب قريش.
          قوله: (فتحاكما) أي: الشخصان وفي بعضها: فتحاكمتا.
          فإن قلت: كيف نقض سليمان حكم داود؟ قلت: حكما بالوحي وحكومة سليمان كانت ناسخة أو بالاجتهاد، وجاز النقض لدليل أقوى على أن الضمير في فقضى يحتمل أن يكون راجعاً إلى داود.
          فإن قلت: لما اعترف الخصم بأن الحق لصاحبه كيف حكم بخلافه؟ قلت: لعله علم بالقرينة أنه لا يريد حقيقة الإقرار. النووي: استدل سليمان بشفقة الصغرى على أنها أمه ولعل الكبرى أقرت بعد ذلك به للصغرى.
          و(المدية) بالضم والفتح والكسر وسكون الدال سميت بها لأنه تقطع مدى حياة الحيوان، والسكين لأنها تسكن حركته مر الحديث في كتاب الأنبياء.
          قوله: (القائف) من القيافة وهي معرفة الآثار وهي باصطلاح الفقهاء من هو أهل للشهادات مجرب بعرض ولد في أصناف في الرابع أحد أبويه وأصاب في الإلحاق به.
          قوله: (تبرق) بالضم، و(الأسارير) الخطوط، و(ألم تري) في بعضها: ألم ترين بالنون قيل هي لغة، و(مجزز) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي المشددة الأولانية المدلجي بسكون المهملة وكسر اللام وبالجيم، وكانت القيافة في الجاهلية في قبيلته كان الكفار طعنوا في نسب أسامة؛ لأنه كان أسود وزيد بن حارثة بالمهملة وبالمثلثة أبيض فلما سمع صلعم ما صح إلزامهم به؛ لأنهم كانوا يعتقدون قول القائف فرح به؛ لأنه زجر لهم عن الطعن في نسبه وصار حجة أيضاً في شرعنا بتقديره صلعم والكوفيون لا يقولون به.
          وتقدم في صفة النبي صلعم في مناقب قريش.
          قوله: (ذات يوم) أي: يوماً وهو من باب إضافة المسمى إلى اسمه وقيل: الذات مقحم، و(القطيفة) الكساء، وكان سروره صلعم لكونه زاجراً لهم ومظهراً للحق.
          الزركشي:
          (والله إن سمعت) ((إن)) نافية بمعنى ما.
          (مجزز) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي المشددة ثم زاي، سمي به لأنه كان إذا أخذ أسيراً جز لحيته، ومنهم من فتح الزاي الأولى(1) انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (مولى القوم من أنفسهم) اختلف هل موالي بني هاشم وبني المطلب يحرم عليهم أخذ الزكاة أم لا؟ فمن أخذ بظاهر هذا الحديث قال مولى القوم من أنفسهم فمنعهم الزكاة، ومن اختار لهم أخذ الزكاة قال: لأن النسب بينهم منتف، وما حرم أحد الزكاة على بني هاشم وبني المطلب إلا لأجل النسب المتصل بينهم وبين النبي صلعم وهو في الموالي منتف وفي مذهب الشافعي على وجهين والصحيح الحرمة.
          قوله: واختلفوا في صحة هذا الخبر وقد رواه أصحاب السنن الأربعة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فحينئذ لا يصح التعليل الذي علل به)).