مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: الولد للفراش حرة كانت أو أمة

          ░18▒ باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة
          فيه حديث عتبة، وسلف.
          وحديث أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((الولد لصاحب الفراش)).
          وعند جمهور العلماء أن الحرة تكون فراشاً بإمكان الوطء، ويلحق الولد في مدة تلد في مثلها، وأقل ذلك ستة أشهر، وشذ أبو حنيفة فقال: إذا طلقها عقب النكاح من غير إمكان وطء فأتت بولد بعد ستة أشهر من وقت العقد، فإن الولد يلحقه، واحتج أصحابه بحديث الباب: ((الولد للفراش))، قالوا: وهذا الاسم كناية عن الزوج وقال جرير:
باتت تعانقه وبات فراشها                     خلق العباءة في الدماء قتيلا
          يعني: زوجها، كذا أنشده أبو علي الفارسي، / فإذا كان الفراش الزوج، فإنه يقتضي وجوده لا إمكان الوطء، وحجة الجمهور أن الفراش وإن كان يقع على الزوج فإنه يقع على الزوجة أيضاً؛ لأن كل واحد منهما فراش لصاحبه(1).
          حكى ابن الأعرابي: أن الفراش عند العرب يعبر به عن الزوج وعن المرأة، وهي الفراش المعروف فمن ادعى أن المراد الرجل دون المرأة فعليه البيان، والفراش هنا إنما هو كناية عن حالة الافتراش، والمرأة مشبهة بالفراش؛ لأنها تفترش فكأنه ◙ أعلمنا أن الولد بهذه الحالة التي فيها الافتراش، فمتى لم يمكن حصول هذه الحالة لم يلحق الولد.
          فمعنى قوله: (الولد للفراش) أي: لصاحب الفراش، كما جاء في حديث أبي هريرة في الباب.
          وما ذهب إليه أبو حنيفة خلاف ما أجرى الله العادة أن المرأة لا تحمل وتضع في أقل من ستة أشهر، فمتى وضعته لأقل منها لم تلحق؛ لأنها وضعته لمدة لا يمكن أن يكون فيها.
          وأما الأمة عند مالك والشافعي فإنها تصير فراشاً لسيدها بوطئه لها، أو بإقراره أنه وطئها؛ وبهذا حكم عمر بن الخطاب، وهو قول ابن عمر، فمتى أتت بولد لستة أشهر من يوم وطئها ثبت نسبه منه، وصارت به أم ولد له، وله أن ينفيه إذا ادعى الاستبراء، ولا يكون فراشاً بنفس الملك دون الوطء عند مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تكون فراشاً بالوطء ولا بالإقرار به أصلاً، فلو وطئها أو أقر بوطئها فأتت بولد لم يلحقه وكان مملوكاً له وأمه مملوكة، وإنما يلحقه ولدها إذا أقر به، وله أن ينفيه بمجرد قوله ولا يحتاج أن يدعي استبراء.
          وذكر الطحاوي عن ابن عباس أنه كان يطأ جارية له فحملت، فقال: ليس الولد مني أي: أتيتها إتياناً لا أريد به الولد، وعن زيد بن ثابت مثله، وقولهم خلاف حديث الباب في ابن وليدة زمعة؛ قال: هذا أخي ولد على فراش أبي فأقره الشارع، ولم يقل: الأمة لا تكون فراشاً، ثم قال ◙: ((الولد للفراش)) وهذا خطاب خرج على هذا السبب.
          وأيضاً فإن العاهر لما حصل له الحجر دل على أن غير العاهر بخلافه، وأن النسب له، ألا ترى أنه في الموضع الذي يكون عاهراً تستوي فيه الحرة والأمة، فوجب أن يستوي حالهما في الموضع الذي يكون ليس بعاهر، ومن أطرف شيء أنهم يجعلون نفس العقد في الحرة فراشاً، ولم يرد فيه خبر ولا يجعلون الوطء في الإماء فراشاً، وفيه ورد الخبر، فيشكون في الأصل ويقطعون على الفرع، قاله ابن بطال انتهى.
          أقول: وكان القياس ومشى فقههم على القياس أن مجرد عقد البيع تصير به الأمة فراشاً كما أن بمجرد عقد الحرة صارت فراشاً وهذا ظاهر لا غبار عليه فتأمله.
          قوله: هو لك يا عبد بن زمعة فقرأ بنصب عبد وزمعة، ومعناه أنه يكون لك أخاً على دعواك وإنما استحلق على فراش ابنه؛ لأنه قيل وطئه إياها كان مشتهراً غير خفي بالمدينة أو أمره بذلك وأمره بالاحتجاب في حق سودة للاحتياط، واحتج به محمد علي بن الماجشون الذي لم يجعل للربا شيئاً من الحرمة فقال: يجوز أن يتزوج ابنته من زناه فلما قال ◙ لسودة: ((احتجبي منه)) لما رأى من شبهه بعتبة وأن له حرمة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: المعنى في قوله: الولد للفراش المضاف محذوف تقديره صاحب الفراش كما يقول البسط للدار والفرش للدار معناه لصاحب الدار، وأيضاً المرأة هي الفراش حقيقة لأن الرجل يفترشها وإن أطلق الفراش على الزوج فهو من باب المجاز)).